تسود حالة من الترقب والحذر في لبنان مع قرب انطلاق الاستشارات النيابية الملزمة لاختيار رئيس وزراء حكومة ما بعد الحراك الشعبي، فيما حاول شخص، مساء أمس، إحراق نفسه خلال تظاهرة في وسط بيروت، قبل أن يتدخل متظاهرون لإخماد الحريق الذي نشب في رجليه في بلد يشهد انهياراً اقتصادياً وحركة احتجاجات ضد الطبقة السياسية.
وقبل يوم واحد على انطلاق الاستشارات النيابية الملزمة لاختيار رئيس الحكومة، ناشد رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان سعد الحريري، مزيداً من الدول الصديقة لبلاده مساعدتها على استيراد السلع الأساسية في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة ونقص العملات الصعبة. وتسود حالة من الترقب الحذر وحبس الأنفاس، وسط مناخ ملبّد بغموض يحجب الرؤية الواضحة لما ستؤول إليه الاستشارات المزمع انطلاقها غداً، وما إذا كانت الكتل السياسية سترشح رسمياً المهندس سمير الخطيب ليتم تكليفه بتشكيل الحكومة.
وفي ساحة رياض الصلح أمام السرايا الحكومية في بيروت، استلقى الرجل، الذي أشعل النار في جسده، على الأرض وقد بدت آثار الحروق على رجليه، ووضع عليه المتظاهرون غطاءً قبل أن تنقله سيارة تابعة للصليب الأحمر اللبناني وهو في كامل وعيه. وقال الصليب الأحمر في تغريدة على «تويتر»: «شخص أحرق نفسه وفرقة من الصليب الأحمر اللبناني تستجيب الآن».
وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية أن الشخص المعني في «منتصف العقد الخامس من العمر»، وقد أقدم على «سكب مادة البنزين على جسمه» قبل أن يضرم فيه النيران. ولم تتضح أسباب إقدامه على محاولة حرق نفسه.
وكثرت حوادث الانتحار مؤخراً في لبنان نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية وتراكم الديون.
وفي بداية الشهر الحالي، دفع تراكم الديون لبنانياً إلى الانتحار بعدما وجد نفسه عاجزاً عن تسديدها وتأمين حاجات أسرته. وفي فبراير، أقدم لبناني في منطقة الكورة شمالاً على حرق نفسه داخل باحة مدرسة، لعجزه عن دفع تكاليف تعليم ابنته. ويواجه لبنان انهياراً اقتصادياً مرشحاً للتفاقم، في ظل أزمة سيولة حادة مع وجود سعرين لصرف الدولار وارتفاع حاد في أسعار السلع الأساسية. وبات آلاف اللبنانيين يجدون أنفسهم مهددين بخسارة وظائفهم أو تم الاقتطاع من رواتبهم. ويعيش ثلث اللبنانيين تحت خط الفقر، بينما يتخطى معدل البطالة ثلاثين في المئة في صفوف الشباب. ويهدد الانهيار الاقتصادي الحالي بارتفاع هذين المعدلين، وفق البنك الدولي، في غياب حكومة.
ووجه الحريري، أمس، رسائل مكتوبة إلى قادة بريطانيا وألمانيا وإسبانيا، طالباً منهم المساعدة في تأمين تمويل الواردات.
وقال مكتب رئيس حكومة تصريف الأعمال: «إن الرسائل تأتي في إطار الجهود التي يبذلها لمعالجة النقص في السيولة وتأمين مستلزمات الاستيراد الأساسية للمواطنين، بما يؤمّن استمرارية الأمن الغذائي والمواد الأولية للإنتاج».
وتعتبر الأزمة الراهنة وليدة سنوات من النمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إجراء إصلاحات بنيوية، وتراجع حجم الاستثمارات الخارجية، عدا عن تداعيات الانقسام السياسي الذي فاقمه النزاع في سوريا المجاورة منذ عام 2011 على اقتصاد يعتمد أساساً على الخدمات والسياحة.
ومنذ 17 أكتوبر، تظاهر مئات آلاف اللبنانيين الناقمين على أداء السلطة، مطالبين برحيلها، في ظل ارتفاع كلفة المعيشة وتقلص فرص العمل.
وتظاهر المئات، أمس، في مناطق عدة في بيروت وطرابلس والنبطية قبل يومين من بدء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس جديد للحكومة التي يصر المتظاهرون على أن تتألف من اختصاصيين فقط من خارج الطبقة السياسية.
واعتصم، أمس، محتجون في خيمة حلبا أمام المصالح المستقلة في المدينة، وهتفوا ضد الفساد والمفسدين، وطالبوا الموظفين بالتوقف عن العمل.
إلى ذلك، نظّم عدد من الشباب، أمس، حملة تبرعات ومساعدات من أمام مصرف لبنان في الحمرا، ودعا المشاركون إلى التبرع بكل ما يستطيعون لمساعدة المحتاجين.
جنبلاط: لن ندخل حكومة أطاحت بالأسس الدستورية
اعتبر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، أمس، أنه لا حل إلا بتشكيل حكومة تكون وفق أصول الطائف والدستور، مضيفاً: «لا نريد دخول حكومة أطاحت بالحد الأدنى من كل الأسس الدستورية التي يمارسها البعض حتى الآن». وأوضح جنبلاط، أمام حشد ضم آلاف المواطنين والمناصرين في ذكرى ميلاد والده كمال جنبلاط: «نمر بفترة استثنائية من الصعوبة والتحديات، والآتي علينا أقسى من الذي مر، ولا حل لنا إلا بالتضامن الاجتماعي والتعاضد وتشكيل حكومة وفق الأصول، أصول الطائف، والأصول الدستورية». وتابع: «كما سبق وذكرت، أيامنا صعبة جداً، وأنا في الحزب جاهز لتقديم أي دعم ضمن الممكن، من أجل الصمود والاستمرار».
الاتحاد