ورش عمل حية، ودروس عملية على أيدي خبراء وخبيرات التراث، جعلت من مهرجان الشيخ زايد مدرسة تراثية بامتياز، تتوافد عليها أعداد كبيرة من الأطفال بصحبة أولياء أمورهم، على مدى أيام المهرجان، الذي انطلق في 29 من نوفمبر الماضي، على أرض منطقة الوثبة بأبوظبي، برعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، ودعم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومتابعة سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، حيث أتاحت النسخة الحالية من المهرجان للجمهور، خاصة من صغار السن، فرصة خوض تجربة فريدة، يبحرون من خلالها إلى أعماق التراث الإماراتي، وينهلون من إرث الآباء والأجداد، الذي يزين ساحات مهرجان الشيخ زايد، على مدى 60 يوماً، إضافة إلى مطالعة نماذج من تراث وثقافات البلدان المشاركة في المهرجان، ما يجعل من زيارته والاستمتاع بأجوائه وجبة تراثية وثقافية ثرية تصقل شخصياتهم، وترسخ فيهم قيم الهوية والانتماء، عبر الأنشطة الحية والتفاعلية في مهرجان الشيخ زايد، المقرر أن ينتهي في الأول من فبراير المقبل.
قيم الهوية
يقول حمد الشامسي، الذي كان يتجول في بعض الأجنحة برفقة ابنه راشد «10 سنوات»: إن مهرجان الشيخ زايد من أهم الأحداث التراثية والثقافية التي تنظم في الدولة، ويحمل اسم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، صاحب الفضل الأكبر في الاهتمام بتراث وتاريخ الأقدمين، والحرص على توصيله إلى الأجيال الجديدة، لأنهم رجال الغد وسيحملون راية الوطن، ولذلك لا بد من ترسيخ كل معاني وقيم الهوية والانتماء لديهم، عبر مختلف الوسائل، وأهمها إقامة مثل هذه الفعاليات الكبرى، مثل مهرجان الشيخ زايد، وهو ما تحرص عليه القيادة الرشيدة، وتبذل كل جهد في السير بهذا الطريق من نجاح إلى نجاح.
ولفت إلى حرصه السنوي، على اصطحاب أفراد أسرته إلى المهرجان، ومتابعة فعالياته وتعريفهم بشكل مباشر على بعض أساسيات الحرف التقليدية الإماراتية، وأساليب الحياة القديمة في المجتمع الإماراتي، وهذا بحد ذاته أكبر درس يتعلمون من خلاله تاريخ وتراث بلدهم، وتترسخ فيهم هذه المعارف طوال حياتهم لاحقاً.
محمد مبارك المنصوري، أشاد من ناحيته بقيمة مهرجان الشيخ زايد، لما يضمه من عدد هائل من الفعاليات، التي تعكس صور الحياة في الإمارات في الزمن القديم، خاصة الحرف التقليدية، سواء التي كان يمارسها الرجال، أو تلك التي تمارسها النساء، وكيف أن المجتمع الإماراتي القديم كان يقوم على المشاركة بين الرجال والنساء، وكل منهم يؤدي دوره حتى تستمر الحياة، وينجحون في الوصول بدولتنا إلى هذا النجاح، الذي يشهد به الجميع في كل المجالات، وفي الوقت ذاته نعتز بتراثنا وتاريخنا.
إطار جذاب
ونوَّه المنصوري، إلى أهمية ورش العمل التي تنظمها الأجنحة الإماراتية في المهرجان، لقدرتها على تجسيد نماذج الفلكلور الإماراتي بشكل حي أمام الصغار، فيتعلمون من خلالها الكثير عن ماضي دولتهم، وكيفية الحياة في الإمارات في مجتمع ما قبل النفط، لافتاً إلى أن تجاور أشكال التراث الإماراتي، مع أجنحة الدول الكثيرة المشاركة في المهرجان، أتاح لأبنائنا مطالعة جوانب من ثقافات وحضارات بلدان من قارات العالم المختلفة، وهذا بحد ذاته يؤكد رسالة المهرجان، في أنه يحمل المتعة والترفيه والتثقيف لجميع أفراد العائلة في إطار جذاب، وفي أجواء شتوية رائعة، تشجع كثيراً من أفراد العائلات المواطنة والمقيمة، على اصطحاب أبنائهم لزيارة مهرجان الشيخ زايد، باعتباره بوابة معرفية فريدة، تستضيفها منطقة الوثبة، التي تقع في موقع جغرافي متوسط بين كل من أبوظبي والعين ودبي، ما يسهم في زيادة أعداد المقبلين على المهرجان من الجنسيات والأعمار كلها، رغم أهمية حضورهم لمثل هذه الفعاليات ليتعرفوا على مفردات تراثهم، ومقدار الجهد الذي بذله الإنسان الإماراتي القديم، للبقاء على هذه الأرض، اعتماداً على العناصر البسيطة الموجودة في البيئة المحيطة به.
البر والبحر
خليفة المحرمي، أكد من جانبه أن مهرجان الشيخ زايد يعتبر كنزاً كبيراً لأبنائنا في الوقت الحالي، حيث يعرفهم كيف كان أجدادنا يعيشون في الماضي، ويمارسون حرفاً شاقة أعانتهم على الحياة، مثل صيد اللؤلؤ من البحر، وصيد السمك وتمليحه للحفاظ عليه فترة طويلة، وكذلك في البر يتعرفون كيف كانت الرحلات عن طريق «البوش»، أي الجمال، في ظروف صعبة، وكذلك يتعلمون عن الصقور وأدوات الصقارين، وكيفية التحكم في الصقور وتدريبها، وهو عمل يستغرق فترات طويلة وصبراً، مشيداً بهذه المبادرات من جانب إدارة المهرجان، وحرصها على نقل إرث الآباء والأجداد بأساليب متنوعة، ومنها الحرص على إقامة المهرجانات والفعاليات، وورش العمل الحية في الحرف التراثية، حتى يتعرف الصغار إلى ماضيهم، ويصبح من مكونات شخصياتهم.
الخبير التراثي، علي محمد آل علي، يذكر أن الفعاليات التراثية لم يتم تخطيطها وتنفيذها إلا لأهداف محددة، وأولها تعريف الأطفال بتراثهم وتاريخهم، وهو ما نجح فيه القائمون على مهرجان الشيخ زايد، حيث إن فعالياته المتنوعة توصل تراث الوطن للزائرين من الخارج، وفي الوقت نفسه تعد مدرسة مفتوحة للأطفال، كي لا ينسون مهن الآباء والأجداد.
مراجع حية
وبيّن آل علي، أنه ومعه الحرفيون والخبراء التراثيون يقومون بشرح الحرف القديمة لهم، وقال: نشرح لهم عن الشاشة، وهي أحد أنواع القوارب القديمة، عن الديين والليخ، وغيرها من الأدوات التي يستخدمها أهل الحرف البحرية، ومنها الجلافة وكيفية شد الألواح الخشبية المستخدمة في صناعة القوارب بشكل صحيح، لافتاً إلى أن ذلك يُقدم بشكل عملي أمام زوار المهرجان، سواء من طلاب المدارس أو الأطفال الذين يفدون إلى المهرجان بصحبة ذويهم، حيث نعلمهم كي يصبحون مراجع حية لحفظ التراث الإماراتي من الاندثار، مشيداً بدور نادي أبوظبي للرياضات البحرية واليخوت، الذي قدم الدعم من أجل نقل تراث الإمارات إلى الأجيال الجديدة، بأسلوب سهل وبسيط للأطفال، حتى يتعلمون ما كان عليه الآباء والأجداد.
صبر وتركيز
سلطان فارس «14 سنة»، الطالب بمدرسة التكنولوجية التطبيقية في أبوظبي، وصديقه محمد علي، عبرا عن سعادتهما بزيارة المهرجان، وزيادة المعلومات والمعارف عن حياة أهل الإمارات في الزمن القديم، وكيف أن الحرف البحرية كانت لها أهمية كبيرة في هذا الوقت، نظراً لأن أغلب سكان المناطق الساحلية اعتمدوا على صيد الأسماك والغوص عن اللؤلؤ، وهو ما كان يحتاج إلى مهن مساعدة، مثل صناعة القوارب والمحامل بأحجامها المختلفة، وكذلك صناعة الليخ والمجاديف وفلق المحار والحبال، وهي جميعاً مهن صعبة تحتاج إلى صبر وتركيز، وسنوات كثيرة للتعلم، وإتقان أي من هذه الحرف التي نعتز بها، نحن أبناء الإمارات، كونها جزءاً أصيلاً من تاريخنا الذي نفخر به، مهما حققنا من تقدم ونهوض في أي من مجالات الحياة.
وأوضح خليفة أحمد وعبدالله فارس، الطالبان بمدرسة المعتصم في بني ياس، أن دراسة التراث الإماراتي تختلف كثيراً عن رؤيته على أرض الواقع في ورش العمل، التي ينظمها مهرجان الشيخ زايد، حيث أتيحت لهم فرص الاستماع إلى الآباء والأجداد من أصحاب الحرف التراثية المختلفة، وتعرفوا على بداياتهم في هذه المجالات، التي دخلوها منذ طفولتهم المبكرة، وإلى الآن يعملون فيها لتعليم الأجيال الجديدة من أبناء الإمارات، والزائرين من مختلف دول العالم، عن هذه الحرف والمهارة العالية التي يتمتع بها هؤلاء الصناع، وكيف أنهم لا زالوا محتفظين بنفس القدر من الإتقان والمهارة، التي كانت تتم بها تلك الحرف قديماً.
ركن الحرف
موزة جاسم الزعابي «15 سنة»، وشقيقتها عفراء «11 سنة»، قالتا إنهما عرفتا كثيراً من المعلومات عن الحرف القديمة، التي كانت تقوم بها أمهاتنا في الماضي، عبر زيارة ركن الحرف النسائية في المهرجان، حيث تعلمتا عن الدخون، وكيف كان يتم تصنيعه في البيوت، وأنه كان ولا زال من أهم الطقوس التي تمارس داخل البيوت الإماراتية، ويتم تحية الضيوف بها، وكذلك تعرفت على بعض أسماء الحلي التقليدية، مثل الطاسة والمرتعشة والكف، وأيضاً صناعة الغزل من وبر الجمال وشعر الماعز والضأن، وكيف أن هذه الحرف تمر بمراحل متنوعة، حتى نستخدمها بالشكل الأمثل، الذي يساعدنا على الخروج بمنتجات جميلة الشكل، ومفيدة في حياتنا اليومية.
الأجيال الجديدة
البندري الظاهري، الخبيرة في صناعة الدخون، أكدت أن قيامها بتعريف الأجيال الجديدة بطرق عمل الدخون والعطور، يشعرها بالفخر كونها جزءاً من فريق عمل، يسعى إلى تكريس التراث الإماراتي في نفوس الصغار، ويحاول تعليمه لهم بطريقة مبسطة، خلال زيارتهم لمهرجان الشيخ زايد أو غيره من الفعاليات، التي تشارك فيها كواحدة من منتسبات الاتحاد النسائي، المتخصصات في الحرف التراثية المختلفة.
وقالت الظاهري: إن الدخون ليس فقط لمجرد تعطير المنزل، بل هو من السنع والمواجيب التي تربينا عليها، كون تبخير الضيوف أحد وسائل إكرامهم، وكذلك يعكس مدى اهتمام المرأة ببيتها، وإظهاره في أبهى صورة، رغم قلة الإمكانيات في زمن قبل، حيث يستخدم البخور في تطييب الملابس وفراش المنزل.
الاتحاد