أطلقت وزارة الثقافة وتنمية المعرفة صباح أمس، كتاب «استكشاف أماكن التعايش في الإمارات: رحلة معمارية» بالشراكة مع ترينالي الشارقة وشركائها الرئيسيين في مشروع «العمارة في الإمارات». وأقيم الحدث في المدرسة القاسمية بمدينة الشارقة، ورافقه معرض فني وجلسات حوارية.
ويقدم الكتاب مادة قيّمة حول أماكن العبادة ومساحات التلاقي المجتمعي في دولة الإمارات من خلال دراسة فئة جديدة من المباني بعنوان «أماكن التعايش»، ويهدف إلى فهم ودراسة كيف يمكن للمجتمعات أن تؤثر في هويتها المعمارية، وفي المقابل، كيف لتلك المساحات أن تؤثر في النسيج المجتمعي المحيط بها.
ويأتي كتاب «استكشاف أماكن التعايش في الإمارات: رحلة معمارية» في سياق مشروع «العمارة في الإمارات» ليقدم سرداً روائياً موثّقاً للتراث المعماري في دولة الإمارات، ومرجعاً مصوّراً يساهم في جهود إثراء وتطوير المجتمعات العمرانية الحديثة.
ورافق حدث إطلاق الكتاب معرض فني يحتفي بتاريخ وتطور وتنوع العمارة في الإمارات، ويتتبع رحلة توثيق تلك المساحات بالإضافة إلى القصص والتفاصيل المكتشفة طوال الرحلة. كما استضاف المعرض جلسة حوارية ناقشت دور المجتمعات في مسيرة تطور العمارة والتأثيرات الثقافية والمجتمعية من خلال استكشاف تأثير المدن الساحلية وحركة العمارة الحديثة.
ويهدف المعرض والحوارات التي دارت على هامشه إلى إشراك الجمهور وإطلاعهم على العديد من النماذج المعمارية التي تجسد معاني العنوان الرئيسي للكتاب وتجاوز الصورة النمطية للعمارة ورفع وعي الجمهور تجاه الرؤية المجتمعية والسياسية للدولة وكيف ترى القيادة شكل المستقبل. كما يواكب الكتاب رحلة فريق البحث الذي تكون من مهندسين معماريين ومخططين حضريين ومصممين ومصورين، وتعريفهم بهذه الفئة الجديدة من العمارة وطرق التوثيق التي اتبعها فريق العمل.

العمارة.. هويَّة
وفي تعليق حول معرض أماكن التعايش، قال الشيخ سالم القاسمي، الوكيل المساعد لقطاع التراث والفنون: «يعتبر فن العمارة في كل مكان وزمان الصبغة الوراثية التي تعطي المناطق الحضرية هويتها المتفردة بين الشعوب والأمم، بيد أن هذه الهوية وعلى مستوى العالم تتعرض لمخاطر الاندثار والزوال النهائي، وذلك تحت وطأة التوسع السريع للمدن التي يتم بناؤها وفق أحدث المواصفات شكلاً وموضوعاً. ولذا نجد أن الدول تفخر بما لديها أو ما تبقى لديها من معالم أثرية ومبان تراثية نادرة وفي مواقع متفرقة. وتلك معضلة مرت بها جميع الشعوب والدول بما فيها منطقتنا، ولهذا يأتي هذا الكتاب ليقدم لمحات حول ثراء وتنوع المشهد العمراني وأماكن التعايش في مجتمعنا متعدد الأعراق والثقافات والذي يحتضن أكثر من 200 جنسية تعيش في انسجام تام رغم تنوع خلفياتهم الثقافية، ويجدون أماكن للتعايش فيما بينهم».
وأضاف: «لطالما كانت دولة الإمارات محوراً للتلاقي والتبادل التجاري والثقافي، وذلك ينسحب أيضاً على مجال العمارة في عصرنا الحديث، حيث نجدها تستقطب أفضل العقول في مجال الهندسة المعمارية والتخطيط الحضري من حول العالم، هؤلاء الذين وجدوا في الإمارات فرصة لتحقيق رؤيتهم التي تتلاقى مع قيم مجتمعنا ورؤية الدولة. وقد ساهم هذا الحراك العمراني الحديث في إثراء حوار التعايش وما يرتبط به من مساحات ومبان تعبّر عن تنوعه وثرائه الثقافي والمجتمعي عبر مباني العبادة والمنشآت الثقافية والمراكز الترفيهية التي تلعب دورها أيضاً في إثراء الحوار المجتمعي وبناء علاقات إيجابية بين أطراف المجتمع والتحفيز على التعاضد والتعايش. ونأمل أن ينجح هذا الكتاب في تسليط الضوء على تاريخ العمارة في الإمارات ومسيرة تطورها من خلال محتواه البصري».

العمارة والبُنية الاجتماعية
وفي تصريح خاص لـ «الاتحاد» قال الشيخ سالم القاسمي: في عام التسامح أسست وزارة الثقافة وتنمية المعرفة إدارة جديدة هي «إدارة الفنون البصرية والعمارة والتصميم»، وتطلق الوزارة هذا الكتاب مع عام التسامح لتلقي الضوء على التعايش من خلال نظرية هندسة العمارة. واخترنا 40 موقعاً دينياً وثقافياً واجتماعياً، من 470 موقعاً عمرانياً، وأضاف: شارك في هذا المشروع إضافة لوزارة الثقافة، شركة أبوظبي للإعلام، ترينالي الشارقة للعمارة، إدارة البلديات والنقل، مؤسسة الشيخة سلامة بنت حمدان آل نهيان، وجامعة زايد، وخبراء وباحثون وفنيون وفنانون ومصممون عديدون.
وعن معايير اختيار هذه المواقع، أضاف: اخترنا هذه المواقع لأنها مختلفة فنياً، عمرانياً، واجتماعياً، وكل مساحة من هذه المواقع تعكس بنية اجتماعية، حسب التصميم المعماري، مثلاً مساحة هذه المدرسة القاسمية كبيرة، يجتمع فيها ناس أكثر من مساحة أصغر في موقع آخر.
أمّا محور هذا العمل، فأكد سالم القاسمي على أنه هوية المكان وروحه العربية، وهي التي تشكّل حالة مغناطيسية تجذب، ومنذ الأزمنة الأولى، الناس من مختلف الجنسيات والأديان.
واختتم: الإمارات تراث معماري، ولا بد من المحافظة على الذاكرة القديمة وحضارتها وحاضرها وإضافتها إلى المستقبل، من خلال إحياء الأماكن القديمة وتفعيلها اجتماعياً من خلال الأنشطة الثقافية والفنية، وهذه الحالة تشكّل تعايشاً جديداً ومستمراً مع المكان.

العمارة والحداثة
ثم جرت جلسة حوارية في الفضاء المفتوح للمدرسة القاسمية، حول دور المجتمعات في فنون العمارة والتعايش، شارك فيها الشيخ سالم القاسمي، عامر منيمنة، حمد خوري، نيليدا فوكارو، وتحدثوا فيها عن تطورات البناء الإماراتي، وتمازجاتها مع الذاكرة الاجتماعية والذاكرة الفنية، وكيف تستحدث تصاميمها مع حفاظها على ريتمها التاريخي المتداخل مع إيقاعات العصر، وكيف تتمحور بعض التفاصيل لتصبح أكثر ملاءمة لحياة كل مجتمع، موضحين أهمية الأبعاد الثلاثة وأعماقها واشتباكها مع البيئة الطبيعية المكانية المحيطة بها سواء كانت صحراوية، نباتية، أو مائية.
رافق الجلسة عرض على الشاشة الإلكترونية الكبيرة، حول توثيق العمارة من خلال الصور الفوتوغرافية والرسم، بعضها من الكتاب ذاته، حيث تمّ شرح العلاقة بين شخصية المكان والإنسان سواء كان منزلاً، مجلساً، قلعة، من خلال عدة مشاريع وأمكنة وصور ورسوم.
ومما ذكره المشاركون أن الإمارات تشكل مساحة كبيرة للتعايش بين 200 جنسية، وتتحاور فيها الثقافات. ونمذجوا لهذا التداخل المعماري الاجتماعي التسامحي بعدة مواقع ضمن رحلة الكتاب والجلسة، وذكروا تمثيلاً عن هذه العلائق حي الفهيدي بدبي كنموذج لتطور الفن المعماري التراثي والحداثي، وإكسبو دبي 2020 كحالة معمارية مستقبلية خاصة للتعايش العالمي.
كما أشارت الجلسة إلى تناغمات النظرية الهندسية في فن بناء مسجد الشيخ زايد، كذلك واحة الكرامة بأبوظبي وكيف تداخلت العمارة برموز فنية وبيئية، إضافة إلى ما تتمتع به العمارة في جزيرة السعديات الثقافية من مساحات للتلاقي والتعايش، وهي حالة المباني القديمة والحديثة في الإمارات.

التعايش رحلة سردية
جاء الكتاب في 480 صفحة، ويحكي بالصور والرسومات الرحلة السردية للتعايش ومساحاته وتأثيراته المتبادلة اجتماعياً وفنياً انطلاقاً من عدة مواقع في الإمارات العربية المتحدة، منها: «مكتبة حتا العامة، مسجد المهندي، مسجد الزهراء، كنيسة الثالوث المقدس، متحف الشارقة العلمي، مكتبة الباهية، المركز الهندي الثقافي الاجتماعي، نادي ظبيان للفروسية، مسجد الشيخ حمدان بن محمد آل نهيان، كاتدرائية السيدة العذراء مريم وغيرها».

الاتحاد