أعلن فريق من الباحثين بمعامل أبحاث «آي بي إم»، عن توصلهم إلى أول بطارية في العالم خالية تماماً من المواد والمعادن الثقيلة الخطرة والضارة بالبيئة، مثل «الكوبالت» و«النيكل» وغيرهما. وتم تصنيع البطارية بالكامل من مواد تعتمد على خامات متجددة مصدرها البحر، تجعل القابلية للاشتعال وتلويث البيئة منخفضين للغاية، ما يجعلها بطارية «فائقة الأمان» بصورة غير مسبوقة، فضلاً عن أنها خفيفة الوزن وقابلة للشحن خلال خمس دقائق فقط، مهما كانت سعة البطارية، وقادرة على تخزين الطاقة بكثافة أعلى، وبالتالي تتيح إنتاج بطاريات ذات حجم أصغر، وفترة تشغيل أطول.

جاءت تفاصيل البطارية الجديدة في تدوينة نشرتها، أخيراً، مديرة ابتكارات مواد الجيل التالي من البطاريات داخل معامل أبحاث «آي بي إم»، الدكتورة يونغ هاي نا، بالمدونة الرسمية لمعامل أبحاث «آي بي إم» ibm.com/‏‏blogs/‏‏research.

وقالت فيها إن «البطارية الجديدة لاتزال في مراحلها التجريبية الأولى، ويجري نقلها للتطوير التجاري».

مواد آمنة

وأوضحت الدكتورة يونغ هاي نا أن البطاريات الحالية يتم تصنيعها وإنتاجها استناداً للمعادن الثقيلة، المعتمدة على مواد وعناصر معدنية تستخرج من باطن الأرض وقابلة للنفاد، فضلاً عن كونها خطرة وضارة بالبيئة والإنسان على المدى الطويل، ومنها على وجه التحديد عنصرا «الكوبالت»، و«النيكل». لذلك كان الهدف الأساسي لفريق البحث هو الوصول إلى بطارية خالية تماماً من العناصر الثقيلة الخطرة، تستخدم في تصنيعها مواد آمنة لا تشكل خطراً على الإنسان أو البيئة التي تستخدم فيها.

وفي الوقت نفسه تكون مستدامة وقابلة للتجدد، وغير معرضة للنفاد. ولتحقيق هذا الهدف، اعتمد فريق البحث على تاريخ طويل من الابتكارات والتحسينات، قدمته معامل «آي بي إم» في مجال علوم المواد، خلال السنوات الماضية.

الذكاء الاصطناعي

وللمضي قدماً في البحث، قام الفريق باستخدام منهج متعدد التخصصات يجمع بين علم المواد، والكيمياء الجزيئية، والهندسة الكهربائية، ومعدات مختبر البطارية المتقدمة، والذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة والمحاكاة بالحاسب، من أجل الوصول إلى المواد الجديدة البديلة للعناصر الثقيلة. وقام الفريق بتطبيق تقنية تعمل بالذكاء الاصطناعي تسمى «الإثراء الدلالي»، وهي تقنية تتيح الفرصة للباحثين للوصول إلى رؤى من ملايين نقاط البيانات لتوضيح واختبار مدى صحة فرضيتهم والخطوات التالية، ومن ثم يمكن تسريع وتيرة الابتكار من أجل تحسين أداء البطارية، من خلال تحديد مواد أكثر أماناً وأعلى أداء.

واستفاد الفريق كذلك من البنية التحتية البحثية القوية بمعامل أبحاث «آي بي إم»، التي تسمح بدراسة كيفية عمل الأشياء على المستوى الجزيئي والذري، وهي الطريقة التي مكنت عدداً كبيراً من العلماء، بما في ذلك فريق البحث الذي يبني تكنولوجيا بطارية جديدة، بدراسة القوى والتحركات بين المواد على المستوى الذري، الفائق الدقة بشكل لا يصدق. وهو أمر مكن الفريق من الوصول إلى التقنية الجديدة المثيرة للبطارية المختلفة كلياً عن ما هو قائم.

3 مواد جديدة

وقالت الدكتورة يونغ هاي نا: إن «فريق البحث تمكن من اكتشاف ثلاث مواد جديدة، مختلفة تماماً عما هو معروف من المواد، ولم يتم تسجيلها من قبل على أنها مجمعة للعمل في بطارية، أو على أنها من المعادن والعناصر الثقيلة، ويمكن استخلاصها من مياه البحر، ما يضع الأساس لتقنيات جديدة في مجال البطاريات، مختلفة تماماً عن ما هو سائد الآن من تقنيات تتمحور جميعها حول المواد الاستخراجية المعدنية، التي يتم الحصول عليها من بطن الأرض».

وخلال الاختبارات الأولية، أثبتت البطاريات، المصنوعة من المواد الثلاث الجديدة، قدرة على الأداء تتجاوز قدرات بطاريات «الليثيوم» المؤين، من نواحٍ عدة، في مقدمتها الأمان الفائق نتيجة انخفاض القابلية للاشتعال لمستويات غير مسبوقة، والكلفة المنخفضة، ووقت الشحن الأسرع، والكثافة الأعلى في تخزين الطاقة، والكفاءة الأعلى في الأداء، أي أن ما يتم تخزينه داخلها من طاقة يتم استغلاله بصورة شبه تامة ولا يتعرض للفقد. وفي هذه النقطة، أثبتت الاختبارات الأولية أن المواد الجديدة تحقق كفاءة أداة تتخطى الـ90%.

وتحققت هذه المزايا الجديدة بفضل المواد الجديدة التي مكنت فريق البحث من وضع تصميم جديد للبطارية، يعتمد على سائل آمن عبارة عن مزيج فريد من «الكاثود والكهارل»، في صورة مادة أطلق عليها «الإلكتروليت» المتمتع بنقطة وميض عالية. وأظهر هذا المزيج قدرة فائقة على منع ظاهرة تسمى «التشعبات المعدنية» لليثيوم أثناء الشحن، ما يقلل القابلية للاشتعال، والذي يعتبر على نطاق واسع، عائقاً كبيراً لاستخدام معدن «الليثيوم» كمادة أساسية في البطارية.

إزالة العوائق

ووصفت الدكتورة يونغ هاي نا هذه النتائج بأنها اكتشاف يحمل إمكانات كبيرة للبطاريات المستخدمة في المركبات الكهربائية، والأجهزة الإلكترونية المحمولة، ووحدات الطاقة المستخدمة بسائر مكونات البنى التحتية الذكية، من شبكات معلومات واتصالات، ونظم إنتاج، وغيرها. فالمواد الجديدة تزيل المخاوف المتعلقة بالقابلية للاشتعال، والكلفة الباهظة ووقت الشحن الطويل، حيث أشارت الاختبارات إلى أن بطارية مواد مياه البحر الآمنة تحتاج إلى أقل من خمس دقائق للوصول إلى حالة شحن بنسبة 80%، مهما كانت سعة البطارية. ومثل هذه الخواص تجعل السيارة الكهربائية السريعة منخفضة الكلفة سريعة الشحن، هدفاً قابلاً للتحقق، ومثل هذا الأمر لا يتوقف عند السيارات الكهربائية فقط، بل يشمل الطائرات الصغيرة بدون طيار (الدرونز)، التي تحتاج إلى بطاريات صغيرة الحجم، خفيفة الوزن، ذات كثافة تخزين عالية.

التصميم الأساسي

بعد وضع التصميم الأساسي للبطارية الجديدة، قام فريق البحث بإجراء المزيد من الاختبارات لتحسين التصميم، ورفع كفاءته، وبالفعل وصل الفريق إلى كثافة تخزين في البطارية بلغت 10 آلاف واط طاقة لكل لتر، وهو مستوى يتفوق كثيراً على ما تحققه أقوى وأغلى بطاريات «الليثيوم» الحالية. كما أظهرت الاختبارات أن هذه البطارية يمكن تصميمها لدورة حياة طويلة، ما يجعلها خياراً لتطبيقات شبكة الطاقة الذكية والبنى التحتية الجديدة للطاقة، حيث يكون طول العمر والاستقرار مفتاحاً.


التطوير التجاري

أكدت مديرة ابتكارات مواد الجيل التالي من البطاريات داخل معامل أبحاث «آي بي إم»، الدكتورة يونغ هاي نا، أن النتائج التي حققها فريق البحث لفتت انتباه العديد من الشركات والأطراف المهتمين بصناعة البطاريات، وأبدوا رغبتهم في مواصلة العمل على هذه النتائج لنقلها من البحوث الاستكشافية في المراحل المبكرة، إلى التطوير التجاري. وفي هذا السياق، انضمت شركة «مرسيدس بنز» لصناعة السيارات إلى جهود معامل أبحاث «آي بي إم» في أميركا الشمالية، للإسهام في التطوير، وكذلك فعلت شركة «سينترال غلاس»، أحد أكبر موردي مواد إنتاج البطاريات في العالم، وشركة «سيدوس» المصنعة للبطاريات.

المواد مستمدة من البحر، وطورت بالكيمياء المتقدمة والفيزياء الذرية والذكاء الاصطناعي.

 

 

الإمارات اليوم