أصدر مشروع «كلمة» للترجمة في دائرة الثقافة والسياحة- أبوظبي الترجمة العربية لكتاب «هل ولد من سيعيش 200 سنة؟» لمؤلفته الباحثة الفرنسية فلورانس سولاري، وهي باحثة بالمعهد الوطنيّ الفرنسيّ للصّحّة والبحث الطبّيّ، والمركز الوطنيّ الفرنسي للبحث العلمي وجامعة كود برنار ليون1، وتهتمّ في أبحاثها بدراسة التحكّم الجينيّ بالشيخوخة والآليّات الكيميائيّة الجُزَيئيّة المتدخّلة في طول العمر. نقل الكتاب إلى اللغة العربية الدكتور سالم أخشوم، وراجع ترجمته الدكتور فادي جابر.
يأتي هذا الكتاب التثقيفي الموجّه إلى عامّة الجمهور، استجابة لسؤالين أحدهما أزليّ يتعلّق برغبة الإنسان الفطرية في الإفلات من براثن الموت الذي يلاحقه والارتماء في أحضان الخلود، أو على الأقلّ ربح أكثر ما يمكن من الوقت أو العمر في هذه المعركة المحسومة، والآخر مستقبليّ، بل آنيّ، يتعلّق بتبعات ارتفاع متوسط العمر المتوقّع للبشر وتهرّم السكّان خاصة في القارّة العجوز، أوروبا.
وتعالج الكاتبة موضوع كتابها معالجة علمية رصينة ترنو إلى المستقبل وترسو في أفق ما بعد الإنسانية في ما يشبه قصص الخيال العلميّ، في حين أنّ مبحث الشيخوخة كان قد انطلق من جذور أسطورية إغريقية ضاربة في القدم جسّمها حلم الخلود، حيث تمثلت أولى مراحل إخضاع ظاهرة الشيخوخة لقوانين البحث العلمي في مساءلة مفهوم الشيخوخة ذاته ومراجعة ما كان يعتبر من المسلّمات في هذا الموضوع، وهو مسألة حتميّتها وكونيّتها.
وتطرقت الكاتبة إلى أنّه قد تراءى للإنسان الباحث عن الخلود اقتباس هذه الخصائص الجينيّة المقاومة للشيخوخة والمطيلة للعمر من تلك الكائنات العضوية، فأقبل على دراستها واختبارها حتى يدرك سرّ طول أعمارها بتحديد الجينات أو الجين المسؤول عن طول العمر وعن الشيخوخة في كنف الصّحة والعافية، بعد أن تمّ التوصل ضمن هذه المقاربة الجينية إلى أن الشيخوخة ليست إلا نتيجة لتراكم طفرات جينية.
ومع ما تثيره هذه المقاربة من أسئلة عمليّة تتعلق بحدود تطبيق نتائج البحوث المخبرية على الإنسان، وأخرى أخلاقية تتعلق بمشروعية تعديل الجينات البشرية، ظهرت في دراسة طول العمر مقارباتٌ أخرى أنثروبولوجية واجتماعية واقتصادية منبثقة عن ملاحظة نماذج بشرية معمّرة في أماكن عيشها لا عن تشريح نماذج حيوانية في المخابر، خلصت إلى أن طول العمر قد يردّ إلى اتّباع أسلوب عيش سليم، مثل الامتناع عن التدخين وعن تناول الكحول، وممارسة الرياضة، والالتزام بنظام غذائيّ قليل السعرات الحرارية، دون حدّ سوء التغذية، يقي من الأمراض المقترنة بالشيخوخة كالسكّري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والشرايين ويخفض احتمال الإصابة بالسرطان.
وأشارت الكاتبة إلى أنّ التقيّد بسلوك صارم ونظام غذائي متقشّف طيلة الحياة من أجل زيادة غير مضمونة في العمر قد لا تتجاوز بضع سنوات، قد لا يكون أمراً مغرياً، ما دفع الإنسان إلى العودة إلى الحلّ الطبّي بإنتاج جزيئات يحاكي مفعولها السريع مفعول التقشف الغذائي البطيء، وإلى الحلول البيولوجية المتمثلة في زرع البكتيريا المعوية (النبيت الجرثومي). ولكنّ الحلّ الذي يلوح من المستقبل يبدو متمثلاً في الطبّ التجديديّ الواعد بإعادة الشباب إلى الجسم من خلال إعادة إنتاج خلاياه المختصة بوساطة إعادة برمجة الحمض النووي للخلايا الجذعيّة، مما قد يسمح بإنتاج قطع غيار بشرية حسب الطلب.
ولفتت الكاتبة إلى أنّ هذه التطورات الطبية جعلت الإنسان يعانق الخيال العلمي من جديد ليتصوّر مقاربة جديدة للشيخوخة وطول العمر تتجاوز المفهوم التقليدي للإنسان إلى كائن هجين مطوّر سيكون خليطاً من الآلة والإنسان (الإنسان البيوني أو البيوتقني) تستبدل أعضاؤه التالفة بأعضاء مخلّقة مخبريّاً كلما احتاج إلى ذلك. ومن الإنسان البيوني ينتقل الخيال إلى نموذج مستقبلي آخر للبشرية، وهو صورة رمزية افتراضية خالدة، وروح خالصة محمّلة على روبوت تخلّصت تماماً من ربقة الجسد الفاني. كما رأت الكاتبة في هذه المشاريع مجرد انعكاسات لهواجس البقاء التي ما فتئت تؤرق الإنسان، لكن شركات تجارية رأت فيها فرصة لتحقيق أرباح من خلال الترويج لفكرة حفظ الأجساد في محلول بارد لعلّ البشرية تتوصل يوماً ما إلى إعادة الروح إليها.
الاتحاد