شكلت النهضة العمانية في عهد المغفور له السلطان قابوس بن سعيد تجربة متفردة في التقدم على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية كافة و ذلك بفضل الفكر الصائب و النظرة الحكيمة و الثاقبة للسلطان قابوس رحمه الله في التعاطي مع الأمور و النظر إلى المستقبل وهو ما أعطى التجربة قوة دفع ذاتية ليواصل قطار النهضة سيره صوب المستقبل.
و ترصد ” وكالة أنباء الإمارات ” في التقرير التالي أبرز المحطات الفارقة في مسيرة السلطان قابوس على الصعيدين الداخلي والخارجي.
بداية وعلى صعيد السياسة الداخلية يمكن تلخيص إرث السلطان قابوس في ثلاث محطات أساسية كبرى أهمها المصالحة الوطنية التي أطلقها منذ توليه الحكم و تحقيق الوحدة الوطنية و توحيد البلاد تحت مسمى واحد “سلطنة عمان “.. فيما تمثلت المحطة الثانية بالانتقال المبكر إلى حكم دولة المؤسسات عبر إنشاء المجالس التمثيلية وانتقلت السلطنة بعدها بمعيته ” رحمه الله ” إلى مرحلة مرحلة جديدة تمثلت في إنشاء المجالس الاستشارية والشورى وإعلان أول دستور مكتوب في تاريخ عمان العام 1996 أو ما يعرف بالنظام الأساسي للدولة.
وعلى الصعيد الخارجي رسم السلطان قابوس “رحمه الله” الخطوط الرئيسية لسياسة خارجية متزنة مراعية لقضايا الأمتين العربية والإسلامية ومناصرة لها في كل المجالات.
فبعد عام واحد من توليه الحكم عام 1970م انضمت عمان إلى جامعة الدول العربية وفي عام 1981م انضمت إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربية فيما امتازت تلك السياسة بالسعي إلى تحقيق السلام ونشر التسامح والتعايش .
وبالعودة إلى التنمية الداخلية اتخذ رحمه الله منذ اللحظة الأولى لتوليه الحكم بالسلطنة قرار حكيما ومدروسا، بالاهتمام بمحور التعليم وجعله الأساس الذي يتم البناء عليه، واعتبره أحد الركائز الضرورية للنهضة والتقدم والحضارة وقاطرة التنمية المستدامة للبلاد ورفع شعار ” سنعلم أبناءنا حتى لو تحت ظل الشجر” وأخذ على عاتقه نشر مظلة التعليم في مختلف أرجاء السلطنة.
فبعد أن كان عدد المدارس قبل 49 عاما من عمر النهضة لا يتجاوز 3 مدارس، وعدد التلاميذ أقل من الألف و التعليم محصور بين التمهيدي والصف السادس الابتدائي، والتعليم مقصور علي الذكور دون الإناث أصبحت المدارس بالآلاف و تلاميذها بالملايين وهناك مساواة في التعليم بين الذكور والإناث وبات التعليم ممتدا من التمهيدي للابتدائي مرورا بالإعدادي و الثانوي وصولا إلى الجامعات والمعاهد والدراسات العليا، وتم توزيع تلك المنشآت التعليمية بجميع أرجاء السلطنة وتنوعت المدارس بين التعليم العام والتقني والإسلامي.
و يمثل التعليم العالي، وتوافر مراكز البحوث والدراسات العلمية والثقافية المعيار الأول لقياس مدى تقدم البلدان والمجتمعات، وهو عامل أساسي لرسم استراتيجيات بناء الإنسان والمكان، ومن هذا المنطلق كان التعليم العالي و لا يزال من الأبجديات التأسيسية لخطاب النهضة العمانية المعاصرة.
وتمثل ذلك الاهتمام بإنشاء العديد من مؤسسات التعليم العالي في مختلف المجالات الفنية، والصحية، والمصرفية، والتربوية، ومجال القضاء، والوعظ والإرشاد وغيرها، وذلك لتلبية احتياجات قطاعات العمل المختلفة.
و شهدت الخدمات الصحية في سلطنة عمان تطورا ملحوظا طوال السنوات الماضية بعدما أمر “طيب الله ثراه” بإنشاء أعداد كبيرة من المستشفيات والعيادات والمراكز الطبية في كل أرجاء عمان ومدها بكل احتياجاتها من أطباء ومعدات وأدوات وأدوية .. ليؤمن بذلك صحة العمانيين في المدن والقرى والأرياف على حد سواء.
اهتمام قابوس بالثقافة .
ويعد ذلك الجانب الأبرز و الذي ترك آثاره الواضحة في عمان فبفضل قراره أصبح لدى السلطنة جامعة السلطان قابوس.
وللسلطان قابوس اهتمامات واسعة بالدين واللغة والأدب والتاريخ والفلك وشؤون البيئة وظهر ذلك في الدعم الكبير والمستمر للعديد من المشروعات الثقافية وبشكل شخصي ومحليا وعربيا ودوليا، سواء من خـلال منظمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ” اليونيسكو ” أو غيرها من المنظمات الإقليمية والعالمية.
و على المستوى الاقتصادي قامت النهضة العمانية على تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة التي تحافظ على الموارد للأجيال القادمة، وانطلق قطار التنمية الاقتصادية في قطاعات السلطنة كافة عبر ما يقارب نصف القرن وأصبحت التجربة الاقتصادية العمانية نموذجا يحتذى .
فقد قامت النهضة والتنمية الاقتصادية على عدة ركائز أبرزها مواكبة متغيرات العصر الحديث في المجال الاقتصادي، والتخطيط السليم عبر خطة التنمية الاقتصادية الخمسية المتتابعة وفقا لاستراتيجية ورؤية شاملة واضحة ترجمت في الإنجازات الاقتصادية الكبيرة التي حققتها السلطنة عبر السنوات الماضية و التي تمثلت في ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي و حجم الموازنة العامة والمشروعات الاقتصادية التي تزخر بها كل مناطق السلطنة والمناطق الاقتصادية والمناطق الحرة الضخمة في صلالة وصحار والمنطقة الاقتصادية بالدقم والتي تمثل قاطرة التنمية المستقبلية في عمان.
و تعتبر ” عمان ” من أفضل الدول التي حققت إنجازات في التنويع الاقتصادي عبر التوسع في قطاع الصناعات خاصة صناعة البتروكيماويات وقطاعات الزراعة والسياحة وصيد الأسماك والخدمات اللوجستية والسياحة وغيرها، إضافة إلى التوسع في قطاع المشروعات الصغيرة ومشروعات ريادة الأعمال التي تتميز بها السلطنة.
و اتسمت النهضة الاقتصادية العمانية بوجود دور بارز للقطاع الخاص في التنمية و دعم الدولة له في إطار الشراكة القوية بينهما و احتلت السلطنة المرتبة الأولى عالميا في الحرية الاقتصادية إلى جانب بناء عمان شراكات اقتصادية مع مختلف دول العالم وجذب الاستثمارات الأجنبية مثل المدينة الصينية بالمنطقة الاقتصادية بالدقم وكذلك الاستثمارات البريطانية والأمريكية واليابانية وغيرها.
وتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد العماني بنسبة 0.3% خلال العام الماضي إلى 77.6 مليار دولار على أن ترتفع النسبة لتبلغ 5.9% خلال العام المقبل إلى 80.3 مليار دولار أمريكي.
وشجع السلطان قابوس المزارعين وعمل على تطوير طرق الزراعة و نقلها من الطرق التقليدية القديمة إلى الطرق الحديثة التي تعتمد على الآلات والمعدات الحديثة، لا على المجهود الإنساني فقط وقد قدم المساعدات السخية للمزارعين ليتمكنوا من استغلال الأرض واستثمارها ليتحقق لعمان الاستقلال الغذائي.
و أصبحت البلاد تنتج كل ما تحتاجه من غذاء من قمح وخضراوات وفواكه وغيرها على أن يصدر ما يفيض عن حاجتها طازجا أو بعد تعليبه إلى البلدان المجاورة.
و ازدهرت التجارة في عهد السلطان قابوس في المجالين الداخلي والخارجي وارتبط ازدهار التجارة بتطور المواصلات التي تنقل المنتجات الزراعية من مناطق الإنتاج إلى سائر أرجاء عمان وإلى الخارج كما تقوم وسائل المواصلات بنقل المنتجات الصناعية من وإلى الدول المجاورة وبقية الأقطار الآسيوية والإفريقية والغربية خاصة إنجلترا وفرنسا وأمريكا.
و ارتبطت عمان بشبكة من المواصلات البرية والبحرية، كما تم إنشاء موانئ بحرية وجوية للاتصالات الداخلية والخارجية وتم افتتاح ميناءين كبيرين هما ميناء السلطان قابوس في مطرح وميناء ريسوت في المنطقة الجنوبية.
وأطلقت سلطنة عمان في ديسمبر 2013 “رؤية 2040″، بهدف تحفيز اقتصاد البلاد، وتعزيز استدامة الثروات الطبيعية، لتحقيق الرفاهية.
وحصل طيب الله ثراه على جائزة السلام الدولية من قبل 33 جامعة ومركز أبحاث ومنظمة أمريكية سنة 1988 وفي عام 2007 منحته الجمعية الدولية الروسية جائزة السلام ، كما نال في العام نفسه جائزة جواهر لال نهرو للتفاهم الدولي في الهند .
و حصل على عشرات الأوسمة من بريطانيا و فرنسا و ألمانيا والهند ومصر والنمسا والسعودية و اليابان و إيطاليا وغيرها من الدول العربية و الأجنبية.
وام