هل يقضي ارتفاع الحرارة فوق 30 درجة مئوية على فيروس «كوفيد -19» (كورونا الجديد)؟ سؤال يطرحه أكثر من 3 مليارات نسمة يعيشون في أجواء من الحظر والعزل.
وتتفاوت الإجابة بين منظمة «الصحة العالمية» التي تتحفظ على الإجابة وترى أنها ليست علمية حتى اللحظة وبين دراسات أشهرها دراسة لفريق من معهد ماساتشوستس الأميركي أكدت أن الدول ذات الطقس الدافئ ستكون أكثر قدرة على مواجهة الفيروس، وأن المناطق التي انتشر فيها كورونا بسرعة عالية تقع في الدول التي تتراوح درجة حرارتها بين 3 و 17 درجة مئوية.
وبحسب الدراسة فإنه على الرغم من وصول الفيروس إلى بعض الدول ذات المناخ الاستوائي، إلا أن حجم الإصابات في هذه الدول أقل بكثير من معدلات الإصابة في المناطق الباردة، مما يزيد من فرص القضاء على الفيروس مع قدوم فصل الصيف خلال مايو ويونيو المقبلين. ويبدو أن كثيرين يترقبون نتيجة تجربة تقوم بها حالياً جامعة يوتا الأميركية عبر اختبار عينات من فيروس كورونا تحت درجات حرارة مرتفعة وهي التجربة التي ستحدد فعلياً ما إن كان الفيروس ينهار ويموت تحت درجات الحرارة المرتفعة نسبياً.

الدراسات مستمرة
يرى الدكتور أحمد المنظري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، أن الفرصة الحقيقية لاحتواء فيروس كورونا الجديد تتمثل في تنفيذ الإجراءات الاحترازية اللازمة، خاصة وأنه إلى هذه اللحظة لا يمكن إثبات النظريات العلمية القائلة بإمكانية الحد من انتشاره جراء ارتفاع درجات الحرارة، في الوقت الذي يقر المنظري بأن الفيروس ينشط أساساً في مناطق البرودة العالية.
ويقول المدير الإقليمي لـ«الصحة العالمية» لـ«الاتحاد» إن المنظمة لا يمكنها التأكد من أن الطقس له دور مؤثر في معدل انتشار فيروس كورونا الجديد من عدمه، بينما لا تزال الدراسات المعملية مستمرة للوصول لعلاج لـ«كوفيد 19».

وفي الإطار نفسه، قال الدكتور علي زكي، أستاذ علم الفيروسات والأوبئة المصري، إنه لا يمكن التنبؤ بوضع فيروس كورونا الجديد في الصيف، خاصة وأن الفصيلة الأساسية من الكورونا التي ظهرت في المملكة العربية السعودية شهدت انتشاراً واسعاً في شهري أبريل ويونيو، في فترة تشهد درجات حرارة عالية في الخليج العربي، مشيراً الى أن الدراسات البحثية مشكوك فيها إلى هذه اللحظة ومتفاوتة في التقديرات لحداثة التعامل مع الفيروس والذي لم يظهر له أي تفاعلات مع فصل الصيف بعد.
وأضاف زكي، أن المقارنة الرئيسية التي يمكن إجراؤها مع فيروس كورونا الجديد، تأتي مع السارس والذي انتهى بشكل كامل في شهر يوليو منتصف فصل الصيف عام 2003، لكن مع ذلك يبقى السارس أقل انتشاراً من فيروس كورونا حيث كان يشكل خطراً أكبر على مقدمي الخدمة الطبية، ولم يصل لمرحلة الانتشار المجتمعي.
وقال إن فيروس كورونا مختلف عن سابقيه، في كونه يفرز العديد من الخلايا والتي تعطل الجهاز التنفسي، وهو السبب الرئيسي في وفاة الأشخاص الأقل مناعة، سواء من كبار السن أو المدخنين وأصحاب الأمراض المزمنة بشكل عام.

افتقاد الفعالية
من جهتها، أشارت الدكتورة ولاء عبد اللطيف، أستاذ علم الميكروبات (الميكروبيولوجيا)، إلى أن الفيروسات بشكل عام تفقد فعاليتها نظراً لافتقاد جسيماتها وحدتها البنيوية، مشيرة إلى أن فيروس كورونا الجديد يشبه انتشار الإنفلونزا الموسمية على شكل جهة القطرات المخاطية المعدية لقطرات المخاط المعدية المعلقة في الهواء، وهو ما يؤدي إلى اثبات أن درجات الحرارة العالية تتسبب في وقف تطور تفاعل قطرات الفيروس والحد من زيادة انتشار العدوى في نطاق أكبر منها في فصل الشتاء وأماكن درجات الحرارة المنخفضة بشكل عام.
وأضافت، أن سياسة التباعد الجسدي قد تكون الوسيلة الأكثر أهمية في اللحظات الراهنة لحين إثبات النظريات الرامية لتأثر انتشار الفيروس أو الحد منه بدرجات الحرارة، خاصة وأنه لم يمر عليه سوى فصل الشتاء فقط، ومن ثم لا يمكن حسم تأثره بالطقس من عدمه، مشيرة إلى أن الفيروسات لا تكتسب صفة الحياة إلا داخل خلايا الكائنات الحية التي تستخدمها لاستنساخ نفسها، حيث لا تعد قادرة على أداء أية مهمة بمفردها، ومن ثم لا يمكن حسم موقف الفيروس سوى بمرور فصل الصيف عليه.

كائن ضعيف
ويشير الدكتور محمد فهيم، خبير المناخ المصري، إلى أن فيروس كورونا المستجد هو كائن ضعيف جدًا لا يعيش إلا لمدة ثوان قليلة في الدول ذات المناخ الحار، وهذا ما يفسر عدم انتشار المرض في الدول الحارة بصورة كبيرة حتى الآن، وانخفاض معدلات الإصابة بها.
ويوضح خبير المناخ، أنه على الرغم من ضعف المستوى الصحي في البلدان الاستوائية، وانخفاض مستوى الاحتياطات إلا أن الفيروس لم ينتشر بها حتى الآن بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وهذا ما حدث في الصين، حيث انتشر كوفيد 19 في مقاطعة ووهان الواقعة في شرق البلاد، وهي المنطقة الأكثر برودة، بينما المقاطعات الواقعة في الجنوب والغرب لم تتأثر كثيراً بالفيروس المستجد.
دليل آخر يضيفه خبير المناخ على صحة فرضيته وهو أن الدول الواقعة جنوب القارة الأفريقية، وعلى رغم احتواء هذه الدول لبعض الأوبئة التي اختفت من دول العالم أجمع، إلا أن انتشار الفيروس الجديد فيها يكاد يكون معدومًا بسبب درجات الحرارة العالية.
ويتوقع فهيم أن ينحصر انتشار الفيروس في الدول الحارة قريبًا، وفي مقدمتها دول الخليج العربي، حيث بدأ الفرق بين درجات الحرارة بالنهار والليل يقل كثيرًا، واقتربت درجات الحرارة في الحالتين من الارتفاع، مما يبشر بقرب نهاية الفيروس في دولنا العربية.

منع الانتشار
من جانبه، قال الدكتور عبد الهادي مصباح، خبير الفيروسات، إن الإصابات بفيروس كورونا أكثرها في أوروبا وفي الجزء الشمالي من الولايات المتحدة وهذا له شأن بدرجة الحرارة.
وأضاف عبد الهادي لـ«الاتحاد»، أن أعداد الأشخاص المصابين في أميركا اللاتينية وإفريقيا منخفضة جداً وهذا بسبب ارتفاع درجات الحرارة، حيث إن فيروس كورونا المستجد لا يقدر على مواجهة درجة الحرارة المرتفعة، وينتهي به الحال ميتًا بعد ثوان قليلة في الدول ذات المناخ الحار، وهذا ما يفسر عدم انتشار المرض في الدول الحارة بصورة كبيرة حتى الآن، وانخفاض معدلات الإصابة بها.
يفسر خبير الفيروسات السبب وراء انخفاض معدلات الإصابة بالفيروس الجديد في الدول ذات المناخ الاستوائي على الرغم من ضعف بنيتها الصحية، إلا أن درجات الحرارة المرتفعة تكفلت بمنع انتشار الفيروس، بينما الدول الباردة ذات النظام الصحي القوي لم تتمكن من الصمود إلا بضعة أيام، وانهار النظام الصحي بها سريعًا.
يستمد كوفيد 19 قوته في درجات الحرارة المنخفضة، ويستطيع الانتشار سريعًا كما حدث في مقاطعة وهان شرقي الصين، نظرًا لأنها المنطقة الأبرد في الدولة الصينية، وفي درجات الحرارة المرتفعة يتقلص هذا الانتشار السريع للفيروس، فمتوسط الاحتمالات بعد أن يصيب الشخص أن تنتقل العدوى إلى 3 أو 4 أشخاص فقط.
ويرى عبد الهادي أن ما يحدث في البلدان العربية من حالة الهلع والصدمة الناتجة عن انتشار الفيروس بها لن تجدي نفعًا، فالفيروس حتمًا سينتشر، إلا أن الخبر الجيد أن فترة الصيف قادرة على منع الانتشار الكثيف للفيروس، فضلًا عن انخفاض معدلات الوفيات الناتجة عنه، وقدرة المناعة القوية على مواجهته والانتصار عليه خلال فترة وجيزة.

الاتحاد