تبذل الجهات المختصة بالدولة جهوداً لافتة لمواجهة ظاهرة «التفحيط»، لما تشكله من قلق على الصعيدين الاجتماعي والأمني، فتكثّف الدوريات المرورية في المناطق التي تكثر فيها هذه الممارسات وتنظم العديد من حملات التوعية بهذا الخصوص، إلا أن سلوكيات البعض الذين يعتبرون «التفحيط» متعة يفوتهم أن هذه الهواية قد تكون قاتلة، ما دفع العديد من الأوساط الحقوقية والمجتمعية للمطالبة بتغليظ العقوبات على مرتكبيها لما تحمله من مخاطر على المجتمع، لا سيما ما يقوم بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بتوثيق مغامراتهم على الطرقات، وما يحدثه ذلك من أثر على المجتمع.
يأتي ذلك في أعقاب ضبط سائق مركبة أجرة يستعرض بمركبته في أحد الطرق الخارجية بإمارة الشارقة، ونشره مقطعاً له على وسائل التواصل الاجتماعي، مخالفاً لكافة قواعد المرور ومعرضاً سلامة الغير للخطر والممتلكات العامة للتلف، حيث أكدت شرطة الإمارة حرصها ومتابعتها لكل الظواهر غير المتسقة مع ضوابط الأمن العام وسلامة المجتمع والمحافظة على الممتلكات العامة.
وأوضح المقدم محمد علاي النقبي مدير إدارة المرور والدوريات بالقيادة العامة لشرطة الشارقة أن الاستعراض بالمركبات في الطرقات أو وسط الأحياء السكنية يشكل خطورة بالغة على مستخدمي الطرق وعلى السائق نفسه وعلى الساكنين، لذلك تم التشديد على مخالفة القيادة بطيش وتهور، بغرامة 2000 درهم وحجز المركبة شهرين وتسجيل 23 نقطة مرورية، لافتاً إلى أن تلك التصرفات علاوة على ما تمثله من خطر على سلامة السائق نفسه وإمكانية إلحاق الضرر بسكان المنطقة وما تسببه من إزعاج تعتبر إساءة لا يمكن القبول بها أو التهاون مع مرتكبيها، كما تعتبر من المخالفات التي تستوجب التوقيف والتحويل إلى الجهات القضائية المختصة.
وقال النقبي: إن الأجهزة الأمنية في القيادة العامة لشرطة الشارقة تمكنت قبل 3 أيام من ضبط سائق مركبة أجرة خلال ثلاث ساعات من نشره لمقطع له بوسائل التواصل الاجتماعي يظهر فيه القيام بالاستعراض بمركبته في أحد الطرق الخارجية للإمارة مخالفاً لكافة قواعد السير والمرور ومعرضاً سلامة الغير للخطر والممتلكات العامة للتلف، حيث استطاعت الأجهزة الأمنية بشرطة الشارقة من ضبطه من خلال التنسيق مع مواصلات الشارقة، فتم إحضاره وتحويله إلى المركز المختص لإجراء اللازم تجاهه، وسوف يتم تحويله إلى النيابة حتى يكون عبرة لغيره من السائقين، مؤكداً حرص الشرطة ومتابعتها لكل الظواهر غير المتسقة مع ضوابط الأمن العام وسلامة أمن المجتمع والمحافظة على كافة الممتلكات العامة.
حملات
وأضاف أنه تم تنظيم الكثير من حملات التوعية المستمرة من خلال دوريات الإنجاد في المناطق السكنية والبرية والطرق الرئيسية والداخلية لضبط السائقين المخالفين ولمنع تلك الظاهرة على مدى 24 ساعة، وأن هناك ضبطيات لبعض المخالفين، تمثلت مخالفاتهم في الضجيج والقيادة بطيش وتهور والإزعاج، إضافة إلى بعض المخالفات المشددة، مناشداً أولياء الأمور بضرورة مراقبة أبنائهم والتأكيد على الأبناء بعدم الإساءة للنظام العام بقيادة السيارات بتهور والتي يقوم بها الشباب المراهقون لإبراز المهارات في القيادة ما يعرضهم لمخاطر الإصابات البليغة وتعريض سلامة الآخرين للخطر وبالتالي تعريض أبنائهم للمساءلة والتوقيف تحت طائلة القوانين المعمول بها في هذا الخصوص.
تغليظ العقوبة
بدورهم، طالب محامون بتغليظ العقوبة ورفع قيمة الغرامة المالية مع تطبيق قانون الخدمة المجتمعية 4 ساعات يومياً لمدة 3 أشهر ومنع المرتكبين من القيادة لمدة لا تتجاوز السنة.
وأوضح المحامي راشد الكيتوب أن التفحيط بالمركبات فعل مُجرَّم قانوناً لما له من خطورة جسيمة على حياة مرتكبه وحياة الآخرين بترويعهم وتهديد سلامتهم. متسائلاً: هل عقوبة التفحيط الموجودة حالياً في القانون رادعة لمرتكب تلك الفعل وبشكل يحد من ارتكابه؟
وأضاف أن التفحيط فعل معاقب عليه قانوناً بنص المادة 348 من قانون العقوبات الاتحادي حيث نصت على: «يعاقب بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين من ارتكب عمداً فعلاً من شأنه تعريض حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم أو حرياتهم للخطر. وتكون العقوبة الحبس إذا ترتب على الفعل حدوث ضرر أياً كان مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد يقررها القانون، ومعاقب عليه أيضاً بقانون السير والمرور الاتحادي تحت وصف «قيادة مركبة بطريقة تعرض حياته أو حياة الآخرين أو سلامتهم أو أمنهم للخطر»، ووضع غرامة مالية بقيمة 2000 درهم، وتسجيل 23 نقطة مرورية، وحجز المركبة 60 يوماً» وتتغير تلك العقوبة للأشد يوماً بعد يوم.
وأفاد بأن الدولة تواجه هذا السلوك بزيادة برامج التوعية المرورية لفئة الشباب، وتفعيل دور الأسرة ومؤسسات المجتمع المدني لمواجهته عبر محاضرات وندوات تثقيفية وحملات مرورية منظمة، كما يتم تكثيف الجهود أمنياً بوجود الدوريات المرورية في المناطق التي يبلغ عنها ممارسة التفحيط.
ورأى الكيتوب أن عقوبة الغرامة أو الحبس وتخيير القانون للقاضي بينهما ليست بالعقوبة الرادعة، لما يمثله هذا الفعل من خطورة إجرامية شديدة قد تودي بحياة الآخرين، وترويع الآمنين، وتهدد السلامة والأمن العام، لذا يجب تغليظ العقوبة إلى السجن (3- 10 سنوات) حال وفاة شخص أو إصابته، واقتصارها على الحبس مدة لا تقل عن (6 أشهر – 3 سنوات)، حال عدم وفاة شخص.
خدمة مجتمعية
وتطرق المحامي راشد الحفيتي إلى أن المادة 120 من قانون العقوبات تنص «على أن الخدمة المجتمعية هي إلزام المحكوم عليه بأن يؤدي أحد الأعمال التي يصدر فيها القرار من مجلس الوزراء وأنه لا يجوز الحكم بالخدمة المجتمعية إلا في مواد الجنح وذلك بديلاً عن عقوبة الحبس.
وأضاف أنه إذا أخل المحكوم عليه بمقتضيات تنفيذ الخدمة المجتمعية، فللمحكمة، بناءً على طلب النيابة العامة، أن تقرر تطبيق عقوبة الحبس لمدة مماثلة لمدة الخدمة المجتمعية أو إكمال ما تبقى منها، وللنيابة العامة تأجيل تنفيذ الخدمة المجتمعية، على أن يتم اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان هذا التنفيذ، مشيراً إلى أن القانون يوضح أن الخدمة المجتمعية هي إلزام المحكوم عليه بأن يؤدي أحد أعمال الخدمة المجتمعية التي يصدر بتحديدها قرار من مجلس الوزراء، وذلك في إحدى المؤسسات أو المنشآت التي يصدر بتحديدها قرار من وزير العدل بالاتفاق مع وزيري الداخلية والموارد البشرية والتوطين، أو بقرار من رئيس الجهة القضائية المحلية.
وقال المحامي علي مصبح: إن انتشار مقاطع الفيديو عبر التواصل الاجتماعي أظهر الكثير من السلوكيات التي تؤدي بصاحبها إلى الحبس، ولقد انتشر فيديو سائق التاكسي الذي قام بالتفحيط بطريقة جنونية والملاحظ أن السيارة مملوكة لجهة حكومية فهي تعتبر مسلمة إليه على سبيل الأمانة، وإذا كانت هذه السيارة مملوكه للدولة أو أي جهة معنوية اعتبارية، يعتبر بذلك أن السائق قد قام بإتلاف المال العام، وقيام السائق بالتفحيط هي قيادة تعرض حياته أو حياة الآخرين أو سلامتهم أو أمنهم للخطر، والعقوبة بغرامة 2000 درهم و23 نقطة مروريه وحجز المركبة 60 يوماً، لا شك أنها غير رادعة ويجب التشديد فيها.
بدوره، أوضح المستشار القانوني أيهم المغربي أن عقوبة التفحيط بموجب قانون السير والمرور تندرج ضمن قيادة المركبة بطريقة تعرض حياة السائق أو حياة الآخرين أو سلامتهم أو أمنهم للخطر، أو قيادة المركبة بطريقة من شأنها أن تلحق ضرراً بالمرافق العامة أو الخاصة، وتكون عقوبتها الغرامة 2000 درهم و23 نقطة مرورية وحجز المركبة شهرين وفي حال حدوث إصابات أو وفيات أو أضرار بممتلكات الغير تتغير العقوبة الجزائية حسب النتيجة للفعل وتوصيفه من قبل النيابة العامة.
وذكر المغربي أن قانون الخدمة المجتمعية المطبق حديثاً يمكن من استبدال عقوبة الحبس أو الغرامة بخدمة مجتمعية مثل تنظيف الشوارع أو أي أعمال أخرى.
واقترح المستشار القانوني المغربي تغليظ العقوبة لتكون الغرامة 10000 آلاف درهم مع تطبيق قانون الخدمة المجتمعية ومنع المفحط من القيادة لمدة لا تتجاوز السنة بالإضافة لحجز المركبة وخصم النقط السوداء.
استخفاف بالأرواح
من جانبه، قال المحامي الدكتور يوسف الشريف، تعد ممارسة التفحيط استخفافاً بأرواح الناس، حيث إن من شأن ما يقوم به مرتكبها من أعمال استعراضية أن يعرض حياة الآخرين للخطر، ولقد مثلت هذه الواقعة في حقه عدة جرائم كإتلاف المال العام، وتعريض حياة الغير للخطر، والتهور في القيادة، حيث إنه وفقاً لأحكام المادة (348/1) من قانون العقوبات فإنه «يعاقب بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين من ارتكب عمداً فعلاً من شأنه تعريض حياة الناس أو صحتهم أو أمنهم أو حرياتهم للخطر». وأضاف: هذا الفعل مجرم بذاته بغض النظر عن شخص مرتكبه، سواء كان مرتكبه مالكاً للسيارة أو عاملاً عليها، فلا فرق.
وتابع: من ناحية أخرى، فيما يخص هذا السائق ومن مثله من الذين يعتبرون موظفين عموميين (باعتبار أن هذه أجرة الشارقة مملوكة لحكومة الشارقة)، حيث ما قام به هذا السائق من شأنه ما يمكن أن يؤدي إلى إتلاف المركبة، وهي تعد من قبيل المال العام، وعلى ذلك تقوم في حقه جريمة إتلاف المال العام، والمعاقب عليها بموجب المادة (227) من قانون العقوبات والتي تنص على: «يعاقب بالسجن المؤقت كل موظف عام أو مكلف بخدمة عامة أضر عمداً بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها أو بأموال الغير أو مصالحه المعهود بها إلى تلك الجهة».
وأشار الشريف إلى أنه تقوم في حقه جريمة القيادة بتهور والمعاقب عليها بموجب المادة (53 /2) من قانون السير والمرور والتي تنص على: «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على ثلاثة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين من ارتكب فعلاً من الأفعال الآتية: كل من قاد مركبة على الطريق بتهور أو بسرعة، أو بصورة تشكل خطراً على الجمهور إذا ما أخذت ظروف الحال بعين الاعتبار».
احترام القانون
دعا المقدم محمد علاي النقبي السائقين هواة الاستعراض والسباقات إلى احترام قانون السير والمرور الذي يعد من احترام الشخص لذاته ولجميع مستخدمي الطريق، مؤكداً رفضه لسلوكيات الاستعراض والظواهر السلبية التي لا تمت بصلة إلى قيم المجتمع وأخلاقيات أفراده، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن حرية الشخص محكومة في حدود القانون، لافتاً إلى أن بعض السائقين يجهلون عواقب مخالفة الاستعراض بالمركبة أو القيادة بطيش وتهور في أماكن غير مخصصة لذلك والتي قد تؤدي إلى فقدان السيطرة على المركبة والانحراف بشكل مفاجئ بالاتجاه المعاكس من الشارع ما يؤدي إلى وقوع حوادث ووفيات.
البيان