علي أبو الريش
الأرشيف الوطني، ذاكرة للوطن، وحضور برشفات التاريخ الشفاهي، وقطرات منظومة القيم، المحفوظة في الصدور.. ويعمل الأرشيف الوطني، بشفافية علمية، جمعاً وتنظيماً، وتنسيقاً للمعلومة، من أجل تقديمها للباحثين والدارسين، الذين يقومون بدراسة تاريخ الإمارات الاجتماعي والاقتصادي، والثقافي، والسياسي، هذه الخطوة وهذا المشروع يعنيان بالإنسان وما رواه، وما جال في وجدانه وما واجهه من ظروف في الطبيعة، وما ساوره في علاقاته مع الآخر. فالرواية الشفاهية، هي استدراج للوعي، واستدعاء لتفاصيل خطوات نحتت آثارها في الصدور كما في الثغور ومن يرد أن يعرف عن حضارة شعب لا بد أن يلج بحار ذاكرته ولا بد أن يدخل في غابة الماضي ليقطف الثمرات من أشجارها الباسقة، لا بد أن يستقطب أرجاء المكان الوجداني، ليعرف كيف فكَّر هؤلاء الناس، وكيف صنعوا مجدهم وحضارتهم، فاسترجاع التاريخ من تضاريس الذاكرة، يعطي الباحث مخزوناً ثرياً ووافراً من أشكال الحياة وصنوفها، وأنواعها، ويفتح نافذة واسعة للدارسين، كي يضعوا أعينهم على مرابط الخيل وأين جمحت وأين لجمت.
إذاً وجود الأرشيف الوطني في بلادنا، يعني وجود الذاكرة الحيّة النابضة بذاكرة قنديلها هذا البحث والتحري الدائم عن معالم الماضي وملامح تضاريسه المختلفة. زرت الأرشيف الوطني أثناء جولاتي في معرض الكتاب، والتقيت بجنود يختبؤون خلف جهودهم الحثيثة، ونبلاء من هذا الوطن عملوا كل ما يستطيعون من أجل إشعال فوانيس الذاكرة لإضاءة الطريق لكل باحث عن فكرة أو متسائل عن رواية، أو نابش بين دفاتر العلم، عن حلم كان ذات زمن بلون جدران القلوب بأزهى الأزهار والأثمار والأفكار. الأرشيف الوطني في كل دولة، هو الصندوق المكين الأمين يحفظ أحلام الناس كما يختزن جل ما سلكوه وفعلوه وتفاعلوا معه، وكل ما أسسوه وأنجزوه، وكل ما أبدعته قريحتهم على مر الأزمان في كل أرجاء المكان، وأرشيفنا الوطني يعمل بهذا الوعي ويخوض غمار الذاكرة لأجل إعمار الفكرة، والحفاظ على منجزات مهمة في مراحل تاريخ الإنسان على هذه الأرض الطيبة، ومن زار جناح الأرشيف الوطني في معرض الكتاب استوقفته هذه المشاهد اللافتة والمهمة، واستلهم من وقوف شباب الأرشيف ترحيباً بالناس والزائرين، وإطلاعهم على منجزات صومعتهم المهمَّة، أن وراء هذا الجهد رجال أوفياء.
الاتحاد