عائشة سلطان
ثبت بالدليل القاطع أن مخطط العبث بمصر ليس من السهل تنفيذه، كما ليس من السهل تمريره أمام أعين الشعب المصري خاصة والعربي بشكل عام، فمصر ليست دولة صغيرة ولا بسيطة، ولا غير ذات قيمة، مصر دولة عميقة حضارياً وإدارياً وذات ثقل سكاني وإقليمي، على الرغم من تراجع دورها القيادي في السنوات الأخيرة لأسباب معروفة ويقرها المصريون أنفسهم، ونقولها هنا، انطلاقاً من حرصنا ومعرفتنا بمصر وليس لأي سبب آخر، فقد سارت السياسة المصرية الخارجية في سنوات حكم مبارك بآليات معينة أفقدت مصر نفوذها العربي والإقليمي، وهزت قرارها السياسي دون أن تنعكس هذه الخسارة الخارجية إيجاباً على الداخل، فداخلياً تضاعفت أزمات المواطن المصري على أكثر من صعيد، ما قاد في نهاية الأمر إلى انفجار الشارع في 25 يناير 2011 تعبيراً عن رفضه لما آلت إليه أوضاع المصريين الحياتية، وأوضاع مصر على جميع المستويات !
إن وعي الشارع المصري، سواء أكان هذا الوعي نتيجة الحاجة التي ضغطت المصريين، وحاصرتهم، وحصرتهم في خانة البحث المضني عن الوظيفة، ولقمة الخبز، والمسكن اللائق والهواء النظيف والمواصلات الرحيمة، والراتب الذي يمكنه أن يساعد في توفير الضروريات على الأقل والمدرسة والتعليم و…..، أو كان هذا الوعي نتيجة المعرفة العميقة والمتجذرة في الوجدان المصري العام بدور مصر ومكانة مصر وإمكاناتها ومواردها وثرواتها و….، هذا الوعي لم يفجر ثورة الغضب المصري في يناير فقط، ولكنه أوقف مشروعاً تخريبياً مخيفاً كان ينوي القضاء على مصر المجتمع ومصر الدولة ومصر التأثير والمركز، وعي الإنسان يشبه آلة عملاقة تعمل من تلقاء نفسها حين يصير صاحبها على محك يكون أو لا يكون، وقد اختار المصري أن يكون رقماً صعباً، كما هو عبر التاريخ.
الذين أسهموا بما استطاعوا في المشروع التخريبي ضد مصر لم يكونوا من الخارج فقط، فقسم كبير خرج من عمق الشارع المصري، وقد حدث عبر التاريخ أن كان الطابور الخامس من أصحاب البلد نفسه، لكن العبرة بالخاتمة في نهاية الأمر، لقد تفتت مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي وضع أسسه شمعون بيريز في كتابه المعنون بـ «الشرق الأوسط الكبير» وسقط معه مشروع بوش وكونداليزا رايس الشرق الأوسط الجديد، بعد أن ثبت أن لا مكان للوطن الحقيقي والمواطن الحقيقي في هذا المشروع البائس.
لابد لنا أن نعترف بأن مصر رغم كل الضربات التي تعرضت لها وأصابتها في مقتل في بعض المراحل، إلا أنها كانت دائماً تتحامل على جراحها، وتنهض لتقف صفاً موحداً في وجه الضربات، ولنتذكر التاريخ جيداً، لأن الذاكرة هنا فاعل وليست مفعولاً به، فاعل حاضر مرفوع وثابت، وليس ضميراً مستتراً أو مجهولاً، الذاكرة تقول، إنه في غزو المغول وقفت مصر وفي غزو الصليبيين وقفت مصر، وفي غزو الإخوان وقفت مصر، وفي وجه المشروع الشرق أوسطي الخبيث وقفت مصر، وقفت وعرقلت وأحبطت ونجحت برغم كل ما ألقي في وجهها من حجارة ونيران وحرائق وتفجيرات ورصاص، وها هي اليوم تفوز برئيس تريده لأنها ترى فيه عبوراً للغد وجسراً لما بعد الطوفان، فلماذا يهاجمها البعض، ولماذا يسفهون رأيها فيه؟ ألا لأنه من الجيش والعسكر؟ فالناس قد اختارت، ومصر التي وقفت في وجه التاريخ لن تعجز عن الوقوف في وجه الرئيس، بعد أن أعادت إنتاج علاقتها به، بعد ثورة 25 يناير !
لمصر تحية مستحقة وواجبة من كل العرب.
الاتحاد