عائشة سلطان

في المدن الحديثة كمدننا يتنقل الإنسان كثيراً، تتغير المدينة، تصير الأحياء السكنية أسواقاً ودكاكين، يغادر أصحاب البيوت والأحياء القديمة أحياءهم وبيوتهم يتركونها أو يؤجرونها للغرباء والعمال وأصحاب المهن وغيرهم، أما أصحاب تلك البيوت وفي مدى حياتهم القصيرة كأفراد وجماعات فتنقلوا بين أحياء مختلفة، وسكنوا بيوتاً عديدة، اليوم حين نبحث عن بيوتنا لا نكاد نستدل عليها، نجدها وقد انطوت تحت طبقات البيوت والأحياء الجديدة، مع ذلك فلدينا مناطق أثرية تم إنقاذها من قبضة الضياع، رممت وأعيدت الحياة إلى مفاصلها، لكن استغلالها لم يتم بالشكل المطلوب، وهذه مسؤولية الجهات المعنية بأمر الحفاظ على المباني الأثرية، ونقل تفاصيل حياة وثقافة من عاشوا فيها للجميع، أتذكر أنني حفظت أنواع وأشكال لباس وسلاح الجندي في القرن السادس عشر من خلال تمثال الجندي الذي وجدته منصوباً في الممر إلى غرفتي في الفندق الذي سكنته في إحدى مدن ألمانيا وقد كان قصراً ثم قلعة تم ترميمها وتحويلها لفندق !
صديقتي سكنت نُزلاً صغيرا في أحد جبال لبنان، تعود ملكيته لأسرة لبنانية سكنته منذ سنوات بعيدة، ثم هجر تماما لظروف مختلفة، أحد أحفاد العائلة أعاد ترميمه تاركاً ممتلكات وصور العائلة، الذين سكنوا المكان أحسوا كأنهم يعيشون مع أفراد العائلة في ذلك الزمان البعيد، الصور المعلقة، الأثاث، هندسة المنزل، شكل الحديقة، الممرات، كل ذلك ينقل لنا حياة كانت عابقة بالأحلام والعواطف والحكايات والأحاديث والخلافات والبكاء والفرح والشباب والشغف والثياب..
أشياء كثيرة تشعر بأنها تخرج من الصور المعلقة لتحدثك وتنقل لك كل ذلك الذي كان !
هذه واحدة من تجليات السكن في مثل هذه البيوت القديمة المرممة، ولقد دخلت نزلاً في منصة الرأس الأثرية المرممة يجاور مدرسة الأحمدية، وهي أول مدرسة نظامية بنيت في دبي في عشرينيات القرن الماضي، يفصل النزل عن المدرسة زقاق ضيق مرصوف، وبحسب ذاكرة والدتي فإن هذا النزل الذي آلت ملكيته لبلدية المدينة يعود في الأساس لعائلة من عائلات دسرة المعروفة، بينما إذا دخلت النزل لا تجد أثراً للعائلة ولا لما يمت لعصرها وحياتها، ذلك أن الشركة التي تستثمر النزل آسيوية -هندية ربما – وعليه فيمكننا تخيل كيف سيكون شكل النزل وأثاثه ولائحة الطعام المقدمة للسياح الذين سينزلون فيه، وسيعتقدون حتماً أن هذه هي حقيقة الحياة والأثاث والروح التي كانت سائدة عندنا قديماً.
شيء يشبه تشويه التاريخ أو تزويره !
– الاتحاد