تحتفل منظمة الصحة العالمية، في 31 مايو، من كل عام بمكافحة التدخين وتسلط الضوء على المخاطر الصحية المرتبطة بتعاطي التبغ بمختلف أشكاله ودعم السياسات الفعالة التي تخفض استهلاكه، في الوقت الذي أكد فيه مسؤول بارز في المكتب الإقليمي للمنظمة، أن دولة الإمارات العربية المتحدة لديها التزام واضح بمحاربة التدخين علاوة على جهودها في منع الإعلانات التجارية والرعاية لمنتجات التبغ، ودعت المنظمة البلدان للعمل من أجل القضاء على الاتجار غير المشروع بمنتجات التبغ والتي تكلف الحكومات ما يزيد على 41 مليار دولار علاوة على تسبب التدخين في قتل نحو 6 ملايين شخص سنويا وأكثر من 600 ألف من غير المدخنين الذين يلقون حتفهم بسبب استنشاق دخان التبغ غير المباشر.
وحذرت من أن يحصد التدخين أرواح ما يزيد على 8 ملايين شخص بحلول عام 2030، حيث يكون أكثر من 80٪ من هذه الوفيات المتوقعة في البلدان الفقيرة ومنخفضة ومتوسطة الدخل.
وعلى الصعيد المحلي، تظهر دراسة مسحية كشفت عنها منظمة الصحة العالمية عن دولة الإمارات، وأجرتها وزارتا الصحة والتعليم في عام 2013، تضمنت استطلاعا شمل 4259 طالبا في الصفوف من الثامن إلى العاشر، من بينهم 3375 طالبا تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاماً، وبلغت نسبة المشاركة الإجمالية من جميع الطلاب 93.2٪، كشفت أن متوسط نسبة المدخنين 32.1٪ بشكل عام، بينهم 37.9٪ ذكور والفتيات 26.3٪، مبينة أن المدخنين الحاليين الراغبين في التوقف عن التدخين نسبتهم 49٪، والمدخنين الحاليين الذين تلقوا مساعدة أو مشورة للإقلاع عن التدخين نسبتهم 20.7٪.
ويقول الدكتور علاء الدين العلوان المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط: إن دولة الإمارات العربية المتحدة لديها التزام سياسي عالي المستوى في مجال مكافحة التبغ ومنتجاته، مشيرا إلى أن دولة الإمارات وصلت لتنفيذ الحدود القصوى فيما يتعلق بوجود منتجات التبغ في الإعلانات التجارية ووسائل الإعلام.
ويضيف في تصريح لـ«الاتحاد» بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة التبغ: إن هناك دلالات واضحة ولعل أبرزها استضافة العاصمة أبوظبي للمؤتمر العالمي للصحة أو التبغ والذي كان علامة فارقة لمكافحة التبغ والصحة العامة، ويدل دلالة قطعية على الالتزام من قبل حكومة دولة الإمارات في هذا الشأن ويدل على الرغبة الحثيثة في تعزيز الصحة في مجتمعاتنا.
وعن تقييم المنظمة لسياسة الإعلانات التجارية عن منتجات التبغ في الدولة، تقول الدكتورة فاطمة العوا مسؤولة مبادرة التحرر من التبغ بمنظمة الصحة العالمية: إن دولة الإمارات وصلت إلى الحدود القصوى في هذا المجال وتعتبر من أنجح دول الإقليم في هذه السياسة، مشيرا إلى أن ما تحتاجه الإمارات وكذلك دول الإقليم الأخرى هو السيطرة على جائحة التبغ في المسلسلات والأعمال الدرامية لأن في هذا ترويج وإعلان عن التبغ بشكل مباشر.
وتضيف: أن خفض معدلات استهلاك التبغ أمر ممكن من خلال تطبيق إجراءات مكافحة التبغ بشكل متكامل، ويمكن لدولة الإمارات تحقيق خفض حقيقي في معدلات استخدام التبغ من خلال تطبيق السياسات الست واتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية لمكافحة التبغ، بما في ذلك رصد جائحة التبغ، و«المنع الكامل» لاستخدامات التبغ في الأماكن العامة المغلقة من دون السماح بوجود حيز للمدخنين، ورفع الضرائب على منتجات التبغ جميعا، ووضع تحذيرات صحية مطابقة للمواصفات العالمية ومواكبة للتغيرات في هذا المجال وهذه سياسات مهمة وينبغي تطبيقها في الإمارات للحدود القصوى بعد.
من جانبها، كشفت عيادة المساعدة في الإقلاع عن التدخين بمدينة الشيخ خليفة الطبية عن نسب مرتفعة من الأشخاص الذين حضروا للعيادة وكانت بدايتهم مع التدخين في مرحلة الطفولة وتحديدا في مرحلة الدراسة الابتدائية.
ويقول الدكتور عبدالرزاق القدور استشاري أمراض القلب والشرايين ومدير عيادة المساعدة في الإقلاع عن التدخين بمدينة الشيخ خليفة الطبية بأبوظبي: إن العيادة فحصت أكثر من 1000 مدخن منذ إنشائها في 2011، مضيفا أن نسبة النجاح واحد لكل ثلاثة أشخاص من الذين يحصلون على مساعدة بينما تقل النسبة إلى شخص واحد ينجح في التوقف عن التدخين من كل 20 شخصا من الذين يحاولون الإقلاع بمفردهم.
ويحذر الدكتور القدور من مخاطر السجائر الإلكترونية، حيث إنها تنقل مادة النيكوتين إلى خلايا الجسم وتتسبب في الإصابة بأمراض القلب والشرايين وتعد من عوامل الإصابة بالسرطانات، لافتا إلى أن 70٪ من الشركات المنتجة للسجائر الإلكترونية هي الشركات المنتجة للتبغ.
ويشير إلى أن السيجارة الإلكترونية تتسبب في وقوع أجيال جديدة في التدخين، حيث إن كمية النيكوتين التي تنقلها إلى جسم المدخن غير معلومة وتسبب الإدمان، لافتاً إلى أن الأمر الأكثر خطراً هو الرذاذ الناتج عن تدخين السيجارة الإلكترونية والذي يدخل رئتي المدخن لا يعلم أحد حجم الأخطار الصحية التي يسببها.
فيما يقول الدكتور جيفري تشابمان رئيس معهد الجهاز التنفسي والرعاية الحرجة ورئيس معهد الجودة وسلامة المرضى، بمستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي: «إنه عند تنشّق الدخان المنبعث من تدخين التبغ، يُهاجم هذا الدخان جينات حيويّة توفّر الحماية من السرطان للرئتيْن، وتشمل أمراض الرئة الأخرى التي قد تنجم عن التدخين، داء الانسداد الرئوي المزمن والنفاخ الرئوي والتهاب الشعب الهوائية المزمن والذي من جملة ما يسبّبه صعوبات خطيرة في التنفس وتزايد تراكم المخاطر والسعال غير المنقطع، من جهة أخرى، يولّد النيكوتين إدماناً لدى المدخّن فيصعب عليه الإقلاع عن التدخين، ولكن لا ينبغي أن يثبط ذلك من عزيمتك».
ويؤكد أشخاص نجحوا في التوقف عن تدخين منتجات التبغ أن حياتهم انتقلت من الجحيم إلى النعيم بسبب ترك التدخين وذلك أنهم اتخذوا القرار الصائب حيث ترك هذه العادة السيئة التي لا يوجد لها أي فوائد على الإطلاق، ونصحوا بضرورة التثقيف الذاتي عن طريق الكتب والانترنت للتعرف على كيفية الاستمرار بالتوقف عن التدخين وأسباب الانتكاسة لتفاديها. ويقول المواطن عيسى أحمد المنهالي: «توقفت عن تدخين السجائر بعد 32 عاما وكنت خلالها أدخن بشراهة ووصل معدلي إلى علبتين وثلاث علب سجائر يوميا»، مضيفا: أن حبه للرياضة هو الذي ساعده في اتخاذ القرار حيث بلغ به الأمر ألا يستطع الركض لمسافات قصيرة وكانت هذه هي بداية التفكير في الإقلاع عن التدخين».
وعن تجربة أخرى ناجحة في التوقف عن التدخين، يقول راتب العبادي، (مقيم عربي): «إن تجربتي مع التدخين استمرت إلى نحو 20 عاما وكنت وقتها أدخن 60 سيجارة يوميا، ولم أكن أعاني من أمراض بسبب التدخين ولكن فكرت بشكل بسيط في فوائد التدخين ولم أجد أي فائدة أو ناحية إيجابية من التدخين إلا أنني وجدت أنه عادة سيئة وبعد الإقلاع اختلفت حياتي تماما وأتمكن الآن من ممارسة الرياضة علاوة على تحسن حاستي الشم والتذوق.
فيما يؤكد مدخنون أن لديهم رغبة حقيقية في التوقف عن التدخين وأنهم لا يحبذون هذه العادة ولا يريدون أن يكون أبناؤهم أو أقاربهم من مدمني تدخين التبغ الذي يؤدي حتما إلى الأمراض المهلكة مثل السرطانات وأمراض القلب والشرايين وأمراض الجهاز التنفسي.
ويقول عادل محمد إبراهيم، (مقيم عربي): أعمل في شركة حكومية وأدخن في اليوم ثلاث سيجارات فقط ولا أحب أن أدخن في البيت حتى لا يتعلم أبنائي التدخين وهذا ما أدى إلى أن يقل معدلي للتدخين اليومي.
ويضيف أحمد هاشم مقيم (26 سنة): اتمني أن أتوقف عن التدخين الذي بدأته منذ سبع سنوات، وأعرف مخاطره وحاولت ثلاث مرات قبل ذلك الإقلاع عن هذه العادة المدمرة للصحة إلا إنني كنت أعود للتدخين مرارا بسبب الجلوس مع أصدقاء مدخنين».
الى ذلك، يؤكد الدكتور سفين روهتي الرئيس التنفيذي للعمليات التجارية في الشركة الوطنية للضمان الصحي، أن التدخين يعد المسبب الرئيس للعديد من الامراض المزمنة، فهو بالتأكيد سيكون عاملاً مؤثرا في اسعار التأمين. ويقول لـ «الاتحاد»: «إن اتباع نمط حياة هو احد اقوى العوامل التي تسهم في المحافظة على اسعار التأمين فضلاً عن المنافع الإيجابية الأخرى التي تعد عاملاً محورياً لتحسين جودة حياة الفرد في المستقبل»، مضيفا أنه بالنسبة لمشتركي برنامج الضمان الصحي للمواطنين «ثقة» فإن استشارات الإقلاع عن التدخين مغطاة، أما مشتركو برامج «ضمان» المختلفة، فإن الشركة تدرس مقترحاً لإتاحة جلسات الإقلاع عن التدخين كأحد المنافع التي يمكن للمؤسسات إضافتها اختيارياً في وثائق التأمين الخاصة به، وذلك إيماناً منا بالفوائد الجمّة التي قد يجنيها الفرد في المدى البعيد في حال اقلع عن التدخين.
وأشار إلى أن هذا المقترح يأتي في وقت يزداد فيه التوجه نحو نمط الحياة الصحي والذي انعكس في الطلب المتزايد على إتاحة خدمات جلسات الإقلاع عن التدخين كأحد المنافع الاختيارية. علماً بأن التدابير الوقائية بشكل عام لا تكون من ضمن منافع التأمين، إلا أننا في الشركة الوطنية للضمان الصحي – ضمان يهمنا الإسهام في جعل مجتمع الدولة اكثر صحة. فيما يضيف الدكتور علاء العلوان: «لدينا معدلات مرتفعة للغاية لتعاطي التبغ في إقليم شرق المتوسط، حيث تصل هذه النسبة في المراهقين (13 – 15 سنة) إلى 36%، وفي البالغين (15 سنة فأعلى) إلى 32%»، ويؤدي الاتجار غير المشروع بمنتجات التبغ إلى زيادة انتشاره بين الشباب وسائر الفئات العمرية».
تتكبد الحكومات خسائر فادحة سنوياً – بسبب الاتجار غير المشروع بمنتجات التبغ – تصل إلى 40.5 مليار دولار، كما يمكن أن يتراوح حجم هذا الاتجار غير المشروع في بعض الدول ما بين 40 و50% من إجمالي تجارة التبغ.
ويعلق الدكتور علاء العلوان على ذلك قائلاً: «تتعرض بلادنا لخطر داهم لأن الاتجار غير المشروع بمنتجات التبغ أكثر انتشاراً في الدول المحدودة والمتوسطة الدخل من الدول المرتفعة الدخل».
قال الدكتور عبدالرزاق القدور استشاري أمراض القلب بمدينة الشيخ خليفة الطبية، إنه يتلقى حالات الأطفال أقل من 18 عاماً بشرط حضور ولي الأمر، مضيفاً أنه قدم المساعدة لطفل مدخن عمره 11 عاماً وكان يرغب في التوقف عن التدخين الذي بدأه وهو في السادسة من عمره.
وأضاف أن الطفل أبدى رغبة شديدة في الإقلاع عن تدخين المدواخ الذي تعلمه من المحيطين به .
الاتحاد