د. فاطمة الصايغ

التيارات المتطرفة التي يعج بها العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه وعلى مختلف أطيافه وفرقه هي تيارات مدسوسة تدعي الإسلام وتتحرك باسمه.
والملاحظ بأن تلك التيارات كافة لم تأخذ من الإسلام إلا الاسم فقط بينما كل الممارسات والأفعال التي تقوم بها هي ذاتها التي جاء الإسلام ليلغيها لتحقيق العدالة الاجتماعية والسلم والمحبة بين البشر. تلك التيارات هي تيارات لا تملك من أمرها شيئاً، فهي خلقت لتنفيذ أجندات لا إسلامية هدفها تفكيك الوحدة الداخلية للدول الإسلامية وضرب القيم النبيلة التي يقوم عليها الإسلام كدين عالمي.
جاء الإسلام ليعلي من شأن قيم أهمها وحدة الشعوب والتعارف بينها على أسس العدل والمودة والإخاء والمساواة “وخلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم”. كما أعلى الإسلام قيم الأمانة والوفاء والولاء ونهى عن نبذ الآخر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكد على احترام الحقوق والحريات المدنية وكافة القيم النبيلة الأخرى.
وحذر الإسلام من استشراء الفساد والسرقة والعصبية والابتعاد عن القيم المجتمعية التي تحقق العدل والإخاء بين البشر، فقد بعث الإسلام ليتمم مكارم الأخلاق. إذا فهو ليس بدين عبادات فقط وإنما دين علم وأخلاق وقيم ومثل عليا.
وكيف لا وقد بعث الله جل جلاله نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، ليس فقط ليدعو إلى وحدانية الخالق وإنما ليبشر بتلك القيم وينشرها بين الناس أجمعين.
التيارات المتطرفة على اختلاف أسمائها وتوجهاتها الأيديولوجية وتطرفها المقزز مارست شتى أنواع الممارسات البذيئة التي تثير الاشمئزاز وتدعو إلى عكس ما أتى به الدين الإسلامي أو أي دين سماوي آخر.
مارست السرقة والقتل وتعذيب الأسرى وهي ممارسات نهى عنها الإسلام وذمها. مارست شتى أنواع إذلال لشعوب والتفريق بينها على أسس العرق والمعتقد، وهي قضايا حرمها الإسلام ودعا للابتعاد عنها.
أرجعت المدن التي دخلتها إلى عصور الجاهلية والتخلف بتدميرها للآثار الحضارية للأمم الغابرة ورجمها للعلم والعلماء وتدمير المتاحف لإخفاء كل أثر للتقدم والتطور التاريخي. أرجعت المرأة إلى عصور الظلام بسبب إحيائها لعادات سبي النساء والجواري والحريم والخطف والاغتصاب. أحيت تلك التيارات أفكاراً رجعية جاء الإسلام للقضاء عليها، كل ذلك تحت غطاء الإسلام، مع أن الإسلام بريء من كل ذلك.
وإذا كانت تلك التيارات هي تيارات رجعية، متخلفة وهمجية وكما تورد التقارير لا تحظى بأي شعبية في المدن التي احتلتها أو دخلتها فما سر تمددها في الكثير من الدول الإسلامية وغير الإسلامية وما سر انتشارها السريع كالنار في الهشيم في عدد من الدول الإسلامية وكيف تستطيع تجنيد الاتباع والمريدين حول العالم وإقناعهم بتنفيذ أجندتها؟ السر وراء تمدد تلك التيارات هو التمويل المالي والدعم اللوجستي الذي تقدمه لها بعض الأنظمة السياسية المستفيدة من وراء تلك الفوضى التي خلفتها تلك التيارات وراءها.
فخلفها يقف من يدعمها بالسلاح المتطور ويشتري النفط الذي تسرقه وتسوقه ويشترى الآثار التي تنهبها من المتاحف ويبيعها بثمن بخس لسماسرة الآثار ليخلي الأمة الإسلامية من تراثها المادي والحضاري ويجعلها نهباً لمن باع ضميره وأمته.
السر وراء الدعم الذي تحظى به تلك التيارات يكمن في ضعف النفوس والجري وراء المنفعة الضيقة والمصلحة المؤقتة بين بعض ضعاف النفوس. السر وراء تمدد تلك التيارات يكمن في ضعف الوازع الديني والفهم الخاطئ للدين الإسلامي وبأن الإسلام دين ترهيب وليس دين رحمة وتعايش سلمي.
وعلى الرغم من قوة هذه الأسباب إلا أننا يجب ألا نجنب أنفسنا وشعوبنا العربية الإسلامية تحمل جزء من اللوم والمسؤولية. فالتربية الأسرية الصارمة والتعليم التقليدي الخالي من إشغال العقل والمنطق والخطاب الديني المتطرف لعبوا دوراً مهماً في بروز هذه التيارات واكتسابها شعبية خاصة بين جيل الشباب.
كما أن الشعوب الإسلامية تتحمل وزراً آخر هو فقدان التلاحم الاجتماعي. ففي فترة من الفترات غابت عنا الحكمة وتغلبت علينا روح العصبية والطائفية فنسينا أننا جميعاً في مركب واحد لا نستطيع أن نخرق جزءاً منه وإلا تعرض المركب كله للغرق.
ذاً فالسبيل لمواجهة تلك التيارات والأفكار المتطرفة يكمن في توحيد الصفوف الداخلية قبل المواجهة العسكرية. فتلاحمنا الداخلي وتوحيد سياساتنا والإدراك الواعي لأخطائنا هو السبيل الذي يحمي وحدتنا ويجنب شباننا خطر تلك التيارات الهمجية.
-البيان