التاريخ هو الهوية الحقيقية للأمم والشعوب، وهناك علامات فارقة في تاريخ الشعوب والدول لا يتشابه ما قبلها مع ما بعدها، كما في تاريخ الثاني من ديسمبر 1971، الذي يمثل في حقيقته جوهر تاريخ دولة الإمارات، واللبنة الأساسية التي بنيت عليها أسس قيام الدولة وتطورها ونموها، واستناداً إلى أهمية هذا التاريخ، وإلى حقيقة أن «تاريخ الإمارات المشرق لا يقل أهمية عن حاضرها الزاهي»، جاءت مبادرة «1971»، التي أطلقها سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بهدف الإسهام في توثيق تاريخ الدولة في جميع المجالات.
واستلهاماً لهذه المبادرة المهمة، تأتي هذه الصفحة الأسبوعية التي تقدمها «الإمارات اليوم»، بالتعاون مع «الأرشيف الوطني»، التابع لوزارة شؤون الرئاسة، للتعريف بشكل الحياة في الإمارات قبل الاتحاد، وخلال بداياته الأولى، والجهد الكبير الذي بذله الآباء المؤسسون للدولة من أجل قيامها.

لا شك أن تكريم سموّ الشيخة فاطمة بنت مبارك، واختيار سموّها شخصية العام الإسلامية، من قبل جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم، كأول شخصية نسائية تكرّمها الجائزة عن فئة الشخصية الإسلامية، تقديراً لجهودها في خدمة الإسلام والقرآن، ودورها في دعم استقرار الأسرة، وتمكين المرأة وتعزيز مشاركتها في كل المحافل، وإنشاء فرع جديد لمسابقة دولية للقرآن الكريم للفتيات على مستوى العالم تحت مسمى «مسابقة الشيخة فاطمة بنت مبارك الدولية للقرآن الكريم»، هدية من صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد لسموّ الشيخة فاطمة بنت مبارك، بمناسبة اختيارها شخصية العام الإسلامية. هذا التكريم وغيره من التكريمات الكثيرة التي تلقتها الشيخة فاطمة لم تأت من فراغ، ولكنها نتيجة مسيرة طويلة وحافلة بالعطاء والسعي لدعم المرأة والطفل والإنسان بوجه عام، وخلق شخصية جديدة لابنة الإمارات تناسب ما شهدته الدولة من تطوّر، وتمتلك القدرة على مواكبة العصر ومستجداته.

لم تكن مسيرة «أم الإمارات» سهلة كما يعتقد البعض، فقد واجهت العديد من الصعوبات والعراقيل، خصوصاً الاجتماعية، فعندما تولي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الحكم في أبوظبي عام 1966، كان الوضع صعباً، ما يتطلب منه توظيف كل قدراته وخبراته في القيادة، من أجل تطوير مجتمعه وشعبه للحاق بركب التقدم، وكان وجود سموّ الشيخة فاطمة إلى جانبه في هذه المسيرة الشاقة عاملاً إيجابياً أسهم في جعل هذه المهمة أقل صعوبة، كما يذكر الكاتب غريم ويلسون في كتابه «زايد رجل بنى أمة»، الصادر عن الأرشيف الوطني. فقد كان الشيخ زايد رحمه الله، يؤمن بأن الإمارات وهي تنطلق نحو التطوّر في كل الصعد، لا يمكنها أن تنكر على المرأة، وهي نصف المجتمع، دورها التنموي الاجتماعي، وإلا كانت كمن تخلى عن مورد طبيعي ثمين. وفي هذا الاطار، أدرك أن سموّ الشيخة فاطمة بنت مبارك، يمكن أن تؤدي دوراً كبيراً في تغيير وضع المرأة وتحسين حالها، وبالفعل لم تخيب سموّ الشيخة فاطمة توقعاته، واستطاعت أن تكسر القاعدة المتعارف عليها في الخليج آنذاك، حيث تظل زوجة الحاكم بعيدة عن المشاركة في المهام الرسمية المختلفة، فكانت رفيقة الدرب وشريكة الكفاح للقائد المؤسس في كل المواقف الحاسمة، وحوادث الأيام بحلوها ومرّها. ومنذ قيام الاتحاد أسهمت مع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في تشجيع المرأة على التعليم، والالتحاق بالعمل، حيث كان ذلك منهجاً يومياً وعملياً ساعد القيادة السياسية في دولة الإمارات على تحقيق المنجزات التي تمتعت بها المرأة على كل الصعد.

على مدى ما يزيد على 50 عاماً، تواصلت مسيرة سموّ الشيخة فاطمة، التي بدأت بعد اقترانها بالمغفور له الشيخ زايد في عام 1960، عندما كان حاكماً لمدينة العين، ثم عندما تولى مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي عام 1966، وكذلك بعد أن تولّى رئاسة الدولة التي أسسها حتى اختاره الله سبحانه وتعالى لجواره في 2004، ومازالت هذه المسيرة تتواصل وتزهر بالكثير من العطاء، فلم تتوقف سموّ الشيخة فاطمة عن مسيرتها، ولم تتنح عن دورها، ولم تتخل عن مسؤوليتها، في ظل قيادة الدولة المتمثلة بصاحب السموّ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، لتكون النموذج الذي يحتذى به في دولة الإمارات، وتظل بصمات سموّها واضحة في كثير من المجالات والقطاعات والمؤسسات، وكلها تصب في بناء مستقبل بلدها وأمّتها.

في كل مرحلة من مراحل مسيرتها، كانت الأعباء تتزايد، والتحديات تكبر، وفي المقابل، كان عزم سموّ الشيخة فاطمة على محاربة كل الآفات التي تعيق تقدم المجتمع ودور المرأة فيه، مثل الجهل والفقر والمرض، لا يفتر ولا يلين. وخلال هذه المسيرة كانت، ولاتزال سموّها حريصة كل الحرص على تحقيق التوازن بين الأخذ بكل مقومات التطوّر العصري والحفاظ على تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، وتقاليدنا العربية الأصيلة والوفاء بالمسؤولية الأولى للمرأة، وهي مسؤوليتها تجاه أسرتها وأبنائها، فكما كانت قرينة القائد وشريكة الكفاح، كانت أماً لثمانية أبناء حرصت على حسن تنشئتهم وكمال تربيتهم بحيث أصبحوا، أهلاً لتولي المناصب القيادية عن جدارة وكفاءة واقتدار.
الحديث عن مسيرة سموّ الشيخة فاطمة لابد أن يتوقف طويلاً أمام دورها في تمكين المرأة، فهي رائدة العمل النسائي في دولة الإمارات وداعمة حقوق المرأة والنهوض بمكانتها، فحظيت قضية المرأة باهتمام خاص من قبل سموّها، انطلاقًا من إيمانها بأن تمكين المرأة والنهوض بدورها هو نهوض بالمجتمع ككل، وسعت بكل جهد لأن يكون للمرأة دورها في كل مناشط الحياة وشؤونها شريكاً أساسياً وفاعلاً رئيساً، إلى أن تصدرت الإمارات مؤشر احترام المرأة عالمياً في الحفاظ على كرامتها وتعزيز مكانتها، وفق نتائج تقرير مؤشرات التطوّر الاجتماعي في دول العالم، الصادر من مجلس الأجندة الدولي التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2014.
ولتحقيق هدفها بتمكين المرأة، أسست سموّ الشيخة فاطمة بنت مبارك أول جمعية نسائية عام 1973، وتبع ذلك تأسيس الاتحاد النسائي عام 1975، والمجلس الأعلى للأمومة والطفولة في عام 2003، وإطلاق مؤسسة التنمية الأسرية عام 2006. ومن خلال هذه المؤسسات، اطلقت سموّها العديد من المبادرات التي أسهمت في تعزيز مكانة المرأة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ومن أبرز هذه المبادرات الاستراتيجية الوطنية لتقدم المرأة في الإمارات في عام 2002، كما كان لسموّها دور فاعل في ميلاد منظمة المرأة العربية، وتأسيس (صندوق المرأة اللاجئة)، بالتعاون والتنسيق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وإنشاء موقع على الإنترنت لخدمة قضايا المرأة العربية في بلاد المهجر.

وتقلدت سموّها رئاسة عدد من اللجان والمؤسسات المعنية بشؤون المرأة والطفل على المستوى المحلي كرئاسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، ورئاسة الاتحاد النسائي العام، والرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، ورئاسة مجلس سيدات الأعمال، والرئاسة الفخرية لهيئة الهلال الأحمر، ورئاسة دار زايد للرعاية الأسرية، ومجلس أمهات منطقة أبوظبي التعليمية.

أما على المستويين الإقليمي والدولي، فقد ترأست سموّها العديد من المنظمات والمؤسسات في عدد من الدورات، كرئاسة منظمة المرأة العربية، ولجنة التنسيق الإقليمي للعمل النسائي في الخليج والجزيرة العربي، والمنتدى العالمي للأسرة.

ومازالت جهودها سموّ الشيخة فاطمة تتواصل، من أجل تمكين المرأة، سواء في مجال التعليم أو المشاركة الاقتصادية أو المشاركة السياسية، كما أسهمت في تحقيق الاستقرار للأسرة والمجتمع، إضافة إلى جهودها الإنسانية التي قدمتها وتقدمها للمرأة والطفل على مستوى العالم، من أجل أن تتمكن المرأة من تحقيق أهدافها كأم وشريك أساسي في تحقيق التنمية والاستقرار والسلم لمجتمعها.

الامارات اليوم

رفيقة الدرب

سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك من مواليد الهير بمدينة العين بإمارة أبوظبي، ودرست القرآن الكريم وتفسيره والحديث النبوي الشريف، واطلعت على مختلف مجالات الآداب المختلفة والعلوم الإنسانية، حيث اهتمت بشكل خاص بالشعر، بجانب دراسة التاريخ والسياسة وأصول الدبلوماسية، كما مُنحت الدكتوراه الفخريّة في العلوم الإنسانية والاجتماعيّة من الجامعة الجزائريّة.

اقترنت سموها بالمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – طيب الله ثراه – في بداية 1960 بينما كان سموه آنذاك حاكما للمنطقة الشرقية، ووقفت سموها إلى جوار المغفور له الشيخ زايد في مختلف المواقف الصعبة خاصة في بداية تأسيس دولة الإمارات ومساعيه المبكرة لتحديث الدولة وإنشاء البنية التحتية.

سجل حافل

يحفل سجل سموّ الشيخة فاطمة بنت مبارك، بالإنجازات على الصعيد الوطني. ورعايتها لمشروعات الخير ودعمها لفئات المجتمع المختلفة، وإسهامها في النهوض بالمرأة وتعليمها وتقدمها ظاهرة للعيان، مع حرصها في الوقت نفسه على الحفاظ على التراث والقيم الأصيلة.

أما على الصعيد العالمي، فإن أيادي سموّها البيضاء امتدت بسخاء لدعم منظمات العمل الإنساني والخيري، ورعاية الطفولة في الوطن العربي وإفريقيا والعالم، كما امتدت لتخفف الآلام عن ضحايا الكوارث والزلازل والجفاف والمجاعات في مختلف بقاع الأرض.

أرقام وأحداث

1997

في سابقة تحدث لأّول مرة في تاريخ الأمم المتحدة، قامت ست منظمات تابعة لهيئة الأمم المتّحدة بتكريم سموّها في وقت واحد عام 1997.

2007

حصلت سموّ الشيخة فاطمة عام 2007 على جائزة الأمم المتحدة للشخصية الإنسانية العالمية، تقديراً لجهودها وحرصها على تخفيف معاناة المرضى، وفي العام نفسه حصلت على شهادة تقدير من صندوق الأمم المتحدة للمرأة «اليونيفيم»، وميدالية منظمة الأسرة الدولية.

1999

حصلت سموّ الشيخة فاطمة عام 1999 على ميدالية «ماري كوري» من منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونسكو»، تقديراً لجهودها في مجالات التربية والتعليم ومحو الأمية.

2011

كرّمت منظمة الأمم المتحدة سموّ الشيخة فاطمة عام 2011، اعترافاً بدورها القيادي الداعم لقضايا المرأة والأسرة والطفل.