يتفق الجميع على أن المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، من بزوغ نجمه وانخراطه في إدارة شؤون الحكم في إمارة أبوظبي، ثم توليه رئاسة دولة الإمارات، وحتى يوم رحيله في 19 رمضان 1425 هجرية الموافق الثاني من نوفمبر 2004، أنجز ما وعد وحقق نجاحات عالمية استثنائية لدولة الإمارات في المحافل الدولية وأبدى اهتماماً بالغاً بأبناء وطنه وتراثهم فما زاده ذلك من شعبه إلا قرباً ومحبة.
اهتمام بالفروسية
بلغ اهتمام القائد المؤسس بالفروسية مبلغاً كبيراً، إذ كان يرى أنها امتداد طبيعي للإرث العربي والإسلامي، وكان لحبه، رحمه الله، للخيل أثره الكبير في ترسيخ حب هذه الرياضة في نفوس أبناء الوطن، ولكونه فارساً من فرسان العرب، كانت هذه الرياضة تستهويه عبر مراحل حياته، وسبق ذلك تأسيس الدولة، حينما أنشأ اسطبل أشعب للخيول العربية الأصيلة عام 1969، في الصحراء، بجانب اسطبلات أخرى تم تجهيزها بأحدث المقاييس العالمية.
وفي 1980 أقام برنامجاً لتربية الخيول العربية الأصيلة، وشجع أبناء الوطن على شراء أفضل الجياد، ومتابعة السباقات والمشاركة فيها، إذ كان يرى أن الفروسية رسالة الماضي بما فيه من تلقائية وعراقة للحاضر والمستقبل بكل ما فيه من حداثة، كما حرص على تنظيم ورعاية الكثير من السباقات السنوية ورصد الكثير من الجوائز لتشجيع المشاركين فيها.
وفي سبيل النهضة الرياضية العامة، والخيول خاصة وجّه، رحمه الله، عام 1992، بتأسيس اتحاد الفروسية والسباق لكي يضع الهياكل الإدارية والتنظيمية القادرة على إدارة الفروسية وسباقات الخيل، بما فيها سباقات القفز على الحواجز والقدرة والتحمل، وبدوره أقام الاتحاد جمعية الإمارات لسباق الخيل عام 1993 بهدف تنظيم سباقات المضمار والإشراف عليها في ربوع الدولة.
وبجانب اتحاد الفروسية، أسس الكثير من الأندية والهيئات المهتمة بهذه الرياضة، فأنشئت جمعية الإمارات لسباق الخيل «جوكي كلوب» 1990، لكي تعمل على المحافظة على نقاء سلالات الخيول العربية في الدولة سواء المستوردة، أو المولودة محلياً، من خلال تسجيل وتوثيق أنساب جميع الخيول، وفي سبيل ذلك أصدرت الجمعية الكثير من سجلات أنساب الخيول العربية الأصيلة، وتضمنت البيانات التوثيقية لعدد كبير من الخيل.
وعلى مستوى الأندية أنشئ الكثير منها في مختلف الإمارات، وأبرزها نادي الفروسية في أبوظبي بمنطقة المشرف 1976، وفقاً لتوجيهات القائد المؤسس، طيب الله ثراه، كما أسست أندية للفروسية في العين ودبي والشارقة، بجانب نادي عجمان للفروسية والسباق والرماية، ونادي غنتوت المتخصص في رياضة البولو، والريف للفروسية.
ولذلك كان طبيعياً في ظل اهتمامه، رحمه الله، أن تركض الفروسية باسم الإمارات في مضامير العالم، من خلال سلسلة سباقات القائد المؤسس «طيب الله ثراه»، للخيول العربية الأصيلة، التي أطلقها 1994 رسالةَ محبة وسلام من الإمارات إلى مختلف شعوب العالم في أوروبا وآسيا وأمريكا، ولعل إنجازاتها المدوية تؤكد ثمار ذلك الاهتمام، إذ منذ مشاركتها الأولى في بطولة العالم للقدرة التي استضافتها ولاية كنساس الأمريكية 1996، حققت خيول الإمارات ما لم تحققه غيرها، الأمر الذي جعلها مؤهلة تماماً لاستضافة بطولة العالم للقدرة أول مرة عام 1998، كما فازت باللقب العالمي في البطولة التي أُقيمت في ماليزيا 2008.
وقد وصلت رياضة القدرة إلى القمة، حين انتزع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الميدالية الذهبية في بطولة العالم للقدرة في أوستن بارك بإنجلترا، كما قاد فارس العرب الإمارات إلى انتزاع الصدارة، أيضاً، على مستوى الفرق. واستكمالاً لمنهج الشيخ زايد «طيب الله ثراه»، في الاهتمام بالخيول بوصفها إرثاً من موروثات الأجداد، أنشئ الكثير من الكيانات المرتبطة بها، فأسست قرية الإمارات الدولية للقدرة بالوثبة عام 2000.
كما تم تدشين قرية بو ذيب للقدرة في عام 2004. وتعد كأس صاحب السمو رئيس الدولة للقدرة لمسافة 160 كم، والتي انطلقت المرة الأولى عام 2000، الحدث الأبرز على مستوى سباقات القدرة، إذ تعد أغنى السباقات المقامة عالمياً، ويشارك فيها أبرز الفرسان العالميين والمحليين من دول مجلس التعاون، وأمريكا وأوروبا.
الهجن والصقور
ويعد ارتباطه الوثيق بتراث وطنه وإدراكه العميق لأهمية الحفاظ عليه وإحيائه من أبرز السمات التي ميزت شخصية الشيخ زايد «طيب الله ثراه»، إذ كان حريصاً على أن تظل مفردات التراث حاضرة في المجتمع الإماراتي وخصوصاً تلك التي ترتبط بعادات وتقاليد وآداب متوارثة عن الآباء والأجداد مثل رياضة الصيد بالصقور التي ارتبط بها وكان خبيراً بأصولها وفنونها ومرجعاً مهماً يشار إليه بالبنان في ذلك المجال. ومارس الشيخ زايد رياضة الصيد بالصقور باحتسابها من أهم الرياضات التي توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد في منطقة الخليج والجزيرة.
ووضع المؤسس الراحل خلاصة خبرته في مجال الصقارة في كتاب «رياضة الصيد بالصقور» الصادر عام 1976 والذي يعد مرجعاً مهماً في هذه الرياضة القديمة ولعله أوسع هذه المراجع وأكثرها دقة لأن المعلومات التي يشملها الكتاب تأتي عن ممارسة وخبرة.
كما أطلق المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» المعرض الدولي للصيد والفروسية في دورته الأولى عام 2003 وتشرف المعرض حينها بزيارته وأمر وقتئذ بأن يكون المعرض على مستوى عالمي وينطلق من أبوظبي مرة كل عام وتم تنظيم المعرض في «أبوظبي 2004». كما عرفت كرة القدم أكبر نجاح لها حيث تأهل الأبيض الإماراتي الى مونديال ايطاليا 1990.
الرياضة.. وفكر زايد
أكد الزميل الإعلامي محمد الجوكر مؤلف كتاب «الرياضة في فكر زايد»، أن ذكرى رحيل مؤسس الدولة، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» تعيد إلى الأذهان، المعاني والقيم النبيلة التي وضع لبنتها الوالد المؤسس في المجتمع الإماراتي، فأثمرت وأينعت، وتذوق الجميع قطافها، وتمتع بظلالها.
وأضاف قائلاً: إن القيم التي رسخها زايد الخير، لم تقتصر على العطاء والإيثار وفعل الخير فحسب، ولكنها انتشرت في كل مكان، ومدت فروعها في زوايا المجتمع، لتطرح كل هذه المعاني النبيلة، التي ما زلنا نتلمس خطاها، ونشرب من معينها. وأشار إلى أن تلك القيم التي غرسها الشيخ زايد «طيب الله ثراه» لم تتوقف عند المعاني السياسية والاجتماعية والفكرية، ولكنها امتدت إلى كل نواحي الحياة بدولتنا الحبيبة، وعلى رأسها القطاع الرياضي، الذي يعد جزءاً مهماً في المجتمع، لطالما حرص الراحل الكبير على تطويره وازدهاره.
وقال الجوكر: في عام 2018، أصدرت كتاب «الرياضة في فكر زايد»، ليلقي الضوء على دور المؤسس في نمو وازدهار رياضة الإمارات، وتعزيز البنى التحتية والمرافق لكل الرياضات بالدولة، وهذا جانب لا يدركه إلا القليلون في شخصية المغفور له الشيخ زايد، مع أنه جانب مهم ومؤثر، فجاء هذا الكتاب، ليبرز هذا الجانب المضيء في شخصيته.
البيان