أكد تقرير معرفي بعنوان “جعل جودة الحياة النفسية أولوية وطنية” أَعدته القمة العالمية للحكومات بالشراكة مع شركة “برايس ووترهاوس كوبرز”، أهمية تبني حكومات ودول العالم جودة الحياة النفسية وجعلها أولوية وطنية للمرحلة المقبلة، وضرورة تكثيف الجهود العالمية ودمج مبادرات الصحة النفسية الشاملة في خدمات الصحة العامة بحلول عام
وذكر التقرير أن منظمة الصحة العالمية، حددت عام 2018، مفهوم جودة الحياة النفسية الجيدة على أنه “حالة من المستويات النفسية يدرك فيها الفرد قدراته الخاصة، ويمكنه التعامل مع ضغوط الحياة العادية بمرونة عالية، ويمكنه العمل بشكل أكثر إنتاجية وقدرة على تحقيق المساهمة والفاعلية في مجتمعه”.
وأوضح أن تحسين جودة الحياة النفسية لأفراد المجتمع أصبح مسألة مرتبطة بالمصلحة العامة، مشيرا الى أن “جائحة “كوفيد – 19” تسببت بأزمة صحة نفسية غير مسبوقة في جميع أنحاء العالم، وسط عمليات الحظر والإغلاق وإجراءات التباعد الاجتماعي وفقدان الوظائف والتعليم عن بعد والتحول المفاجئ إلى العمل عن بعد، حيث باتت مشاعر الوحدة والقلق وفقدان الثقة بالنفس، تحديا يجب على الحكومات تكثيف الجهود لمقاومته وإيجاد الحلول المناسبة للارتقاء بجودة حياة الأشخاص من جميع الأعمار والذين كانوا يعتبرون أنفسهم سابقا “طبيعيين” من الناحية النفسية”.
وأكد محمد يوسف الشرهان، نائب مدير مؤسسة القمة العالمية للحكومات، أن مؤسسة القمة العالمية للحكومات رسّخت موقعها العالمي منصة معرفية لتصميم المستقبل، ومؤسسة بحثية لاستشراف المتغيرات التي ستحدد معالم المستقبل في المدى المتوسط والبعيد، وإيجاد حلول مبتكرة للتحديات ما يسهم في تحسين حياة الناس والمجتمعات البشرية.
وقال إن تقرير “جعل جودة الحياة النفسية أولوية وطنية” بالشراكة مع شركة “برايس ووترهاوس كوبرز”، يركز على ضرورة تعزيز العمل الحكومي، والمبادرات الداعمة للارتقاء بجودة الحياة النفسية للأفراد والمجتمعات، وأهمية الاعتماد على وسائل التكنولوجيا الحديثة في تصميم السياسات، وإطلاق المبادرات المستقبلية التي تسهم في تحقيق الأهداف الحكومية.
من جهته، قال هاميش كلارك، المدير المسؤول عن الصحة النفسية في بي دبليو سي الشرق الأوسط: “كل عام، يفقد الاقتصاد العالمي حوالي تريليون دولار من الإنتاجية بسبب الأمراض النفسية ولقد سرعت الجائحة هذا التأثير، مشيراً إلى أنه من خلال الورقة البحثية بالشراكة مع مؤسسة القمة العالمية للحكومات، تم تقديم مجموعة من التوصيات الهامة للحكومات بشأن إنهاء الوصمة الاجتماعية المتعلقة بالصحة النفسية في مكان العمل وبناء مجتمعات قادرة على الصمود”.
وقالت لينا شديد، المدير المسؤول عن قطاع الرعاية الصحية في الشرق الأوسط، بي دبليو سي الشرق الأوسط “إن تضمين تدابير الصحة النفسية في السياسات المختلفة عبر القطاع الحكومي من خلال نهج شامل يربط بين الحفاظ على الصحة البدنية والنفسية معاً، له أهميته في الحد من الوصمة الاجتماعية المتعلقة بالصحة النفسية كما يعمل على زيادة الوعي ويعطي صوتًا لمن يعانون في صمت.” وأوضح التقرير أهمية كسر الصورة النمطية في المجتمع لموضوع الصحة العقلية للتأكد من أن مثل هذه التحديات لم تعد مصدراً للإحراج أو الخجل للمصاب، أو أن يتم رفضها من قبل العائلة والأصدقاء ومدراء العمل ويجب معالجتها تماما وعدم إهمالها كما يتم معالجة الأمراض الجسدية.
وبحسب التقرير، فإن جائحة “كوفيد – 19″ أثرت على جوانب عدة في الصحة النفسية في جميع أنحاء العالم. حيث تأثرت صحة خط الدفاع الأول النفسية خلال الجائحة، وانفصل كبار السن عن أطفالهم بسبب إجراءات التباعد الاجتماعي وتجنب الزيارات والتجمعات، وشعر الآباء بالقلق من فقدان وظائفهم وضرورة التعايش مع الحياة المختلفة في ظل الجائحة”.
وأوضح التقرير أنه على المدى القصير، أدى الاضطراب الاقتصادي والاجتماعي الناجم عن “كوفيد – 19” إلى تعطيل أو إيقاف خدمات الصحة النفسية الحرجة في 93 ٪ من أصل 130 دولة شملتها الدراسة التي أجرتها منظمة الصحة العالمية بين يونيو وأغسطس 2020.
ولفت التقرير الى أن الحكومات وصناع السياسات، على الصعيد العالمي، يدركون بشكل متزايد أن يجب التصدي لتأثير الوباء على الصحة النفسية بشكل استباقي وتطبيق الحلول اللازمة لتعزيز صحة المجتمع النفسية.
وأكد التقرير أن التأثير المستمر للجائحة يجب أن يشكل حافزا للحكومات وصناع القرار لتطوير وتنفيذ سياسات مبتكرة يمكنها تحسين جودة الحياة النفسية عبر جميع قطاعات المجتمع كونه ركيزة أساسية لبرامج الانتعاش الاقتصادي المستدامة، مشيرا إلى أهمية ذلك في تطوير الحلول الاستباقية لتحديات الوصول إلى مجتمعات مستقبلية رقمية تعمل بشكل كلي من خلال منصات العمل عن بعد ووسائل التواصل الاجتماعي.
وأشار التقرير الى أن الوعي بقضايا الصحة النفسية ازداد في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً بين الشباب. ووجد استطلاع الشباب العربي لعام 2019 أن 31٪ من الشباب العرب يعرفون شخصا مصابا بمشكلة تتعلق بالصحة النفسية، كما وجد أن هناك تنوعاً كبيراً في ردود الفعل وطرق الاستجابة لعلاج الأمراض النفسية بين السكان العرب.
وقال إنه في دولة الإمارات، نظم “البرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة” حملة في أبريل 2020 لتقديم دعم الصحة النفسية لكافة أفراد المجتمع ومساعدتهم على التغلب على الأثر النفسي للجائحة من خلال خط ساخن لتوفير المساعدة الفورية للمتصلين ومناقشة حالتهم من قبل متخصصين وخبراء نفسيين، فيما تهتم السعودية بالدعم الاجتماعي والنفسي لمساعدة الأشخاص على التعامل مع المشاعر السلبية من التوتر والقلق الناجمين عن جائحة “كوفيد – 19″، عبر خدمة الرعاية الصحية عن بُعد المخصصة التي توجه المتصلين إلى معالج نفسي للحصول على مساعدة فورية”.
إدراك تأثيرات الخدمات الرقمية الجديدة على الصحة النفسية للأفراد ودعا التقرير الى أهمية إدراك تأثيرات الخدمات الرقمية الجديدة على الصحة النفسية للأفراد، قبل التفكير في كيفية استخدام التكنولوجيا بشكل إيجابي في هذا المجال، موضحا أن الأبحاث التي أجراها علماء النفس جان توينج وجوناثان هايدت وزملاؤهم وجدت علاقة بين الارتفاع الحاد في استخدام المراهقين لوسائل التواصل الاجتماعي بين عامي 2009 و2011 والزيادة الحادة من عام 2012 وما بعده، في اكتئاب المراهقين في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، خصوصاً بين الفتيات”.
ولفت الى إمكان “تسخير التقنيات الرقمية كعامل تمكين للصحة النفسية الإيجابية”، حيث أظهر ” كوفيد – 19″ بشكل كبير كيف يمكن أن تساعد تطبيقات “زووم” و”سكايب” وتقنيات اتصالات الفيديو، إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، في الحفاظ على تواصل الناس على الرغم من تباعدهم جسديا.
وأكد التقرير أنه من الممكن قياس المفاهيم غير الملموسة مثل جودة الحياة النفسية، حيث تم إحراز تقدم كبير في العقود الأخيرة لتطوير معايير موضوعية لقياس مستوى جودة الحياة النفسية في العالم، وأشار إلى أنه على الرغم من أن مثل هذه الأطر التحليلية التي تقيس جودة الحياة غير كاملة، فإن وجودها في صميم صنع السياسات يساعد في تعرف الحكومات على تحديات الصحة النفسية التي يواجها المجتمع بشكل يومي.
وتطرق التقرير إلى بعض التجارب في منطقة الشرق الأوسط، حيث تعمل العديد من الدول على تطوير سياسات جودة الحياة النفسية التي يتم رصد نجاحها من خلال نتائج قابلة للقياس. مشيرا إلى أن دولة الإمارات، أطلقت في مارس 2016، البرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة، حيث عرضت المكاتب الحكومية الاتحادية سلسلة من المبادرات المصممة لتحسين جودة الحياة في بيئة العمل، وفي السعودية تعتبر جودة الحياة النفسية عنصرا أساسيا في برنامج جودة الحياة، الذي تم تطويره تحت مظلة استراتيجية رؤية 2030.
وأشار التقرير الى إمكان “دمج مبادرات تعزيز الصحة النفسية الشاملة بالكامل في خدمات الصحة العامة السائدة بحلول عام 2025، عبر خطوات مدروسة تتضمن الدعوة الى تحديد الحلول الرقمية الفعالة في مجالات الوعي بالصحة النفسية، وأدوات التعريف الذاتي للأمراض النفسية، وخطوط المساعدة في حالات الطوارئ، والإدارة الذاتية، وأداة دعم الرعاية، والرعاية الصحية النفسية الافتراضية وخدمات الوصول إلى الأطباء، وتطوير وتوسيع نطاق الحوافز التي تضمن الوصول إلى هذه المنتجات والخدمات، وتوفير التمويل الحكومي للشركات الناشئة في مجال جودة الحياة، وتكريم ومكافأة رواد القطاعين الحكومي والخاص على استثماراتهم في برامج جودة حياة الموظفين في بيئة العمل.
البيان