تُعد الفرصة مواتية للحكومات لتحقيق الطموحات في مجال التغيّر المناخي بفضل الإرادة القوية والتكنولوجيا والاستراتيجيات سريعة التطور، ويأتي الإعلان عن مبادرة الإمارات لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050 كعلامة فارقة في مسيرة امتدت ثلاثة عقود للدولة في العمل المناخي ورؤية استراتيجية لثلاث عقود مقبلة.
وتمثل المبادرة الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي محركاً وطنياً يهدف إلى خفض الانبعاثات والحياد المناخي بحلول 2050، مما يجعل الإمارات أول دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعلن عن هدفها لتحقيق الحياد المناخي.
ووفقاً لتقرير صُدر مؤخراً عن مؤسسة القمة العالمية للحكومات تحت عنوان: “الطريق إلى الحياد المناخي ـ أولويات حكومية”، يؤكد أن الحياد الكربوني يمثل أولوية عالمية أساسية، باعتباره هدفا عالميا للاستدامة التزمت به معظم الدول وعلى رأسهم دولة الإمارات، ودعا التقرير الحكومات إلى تكثيف الجهود للوفاء بتعهداتها في سبيل تحقيق أهداف خفض الانبعاثات الكربونية عبر القطاعات الرئيسية.
ويمثل استخدام حلول الطاقة النظيفة أحد الركائز الرئيسة في نموذج الإمارات، لضمان تحقيق التوازن بين الاحتياجات الاقتصادية والأهداف البيئية باستثمارات تبلغ 600 مليار درهم حتى 2050، لضمان تلبية الطلب على الطاقة، ورفع كفاءة الاستهلاك الفردي والمؤسسي بنسبة 40%، ورفع مساهمة الطاقة النظيفة في إجمالي مزيج الطاقة المنتجة في الدولة إلى 50% منها 44% طاقة متجددة و6% طاقة نووية، وتحقيق توفير يعادل 700 مليار درهم حتى عام 2050 ، بالإضافة إلى خفض الانبعاثات الكربونية من عملية إنتاج الكهرباء بنسبة 70% خلال العقود الثلاثة المقبلة.
وتحرص حكومة الإمارات بمختلف جهاتها على تنفيذ المبادرات الهادفة إلى الحد من الانبعاثات، بما يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية وذلك عبر تبني التكنولوجيا المبتكرة، وتطوير الحلول المستدامة التي تدعم التحول الأخضر.
وقال معالي سعيد محمد الطاير رئيس مجلس دبي لمستقبل الطاقة والعضو المنتدب الرئيس التنفيذي لهيئة كهرباء ومياه دبي، في تصريح لوكالة أنباء الإمارات / وام / إن زيادة حصة الطاقة النظيفة تشكل من إجمالي مزيج الطاقة المحلي ركيزة رئيسة لدعم جهود دولة الإمارات لمواجهة تحدي التغير المناخي، ومنظومة عملها لتعزيز التحول نحو الاقتصاد الأخضر منخفض الكربون، وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة بما يواكب مستهدفات مبادرة الإمارات الاستراتيجية للسعي نحو تحقيق الحياد المناخي 2050.
وشرع المجلس الأعلى للطاقة في دبي بتقييم الانبعاثات الكربونية للسنوات العشر القادمة بمشاركة الجهات المعنية في دبي للوصول إلى الاجراءات المطلوبة للحد من زيادة الانبعاثات ومن ثم رسم خارطة الطريق للوصول إلى أهداف الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
وتؤكد الدولة التزامها بثقة للحد من البصمة الكربونية، من خلال العمل على التقنيات المستقبلية لتقليل البصمة الكربونية، حيث تبنت العديد من المسارات كان آخرها التعاقد مع شركات عالمية لإنشاء شبكة وطنية من محطات الشحن فائقة السرعة للسيارات الكهربائية.
وتعتبر المركبات الكهربائية جزءا لا يتجزأ من هذا الجهد، وتوفير هذا الممر السريع والفعال والمريح للمركبات الكهربائية يعد خطوة حاسمة في انتقال الطاقة، ويسمح نظام القيادة والتحكم بالمراقبة والتحكم الكاملين لجميع الوحدات ويوفر الأساس للمرحلة التالية من المشروع، وهي بناء تطبيق للسائقين للوصول إلى أجهزة الشحن وحجزها.
وكانت شركة مبادلة للاستثمار وشركة سيمنس للطاقة، قد وقعت مذكرة تفاهم نهاية العام الماضي بهدف عقد شراكة استراتيجية لتحفيز الاستثمار وتطوير التكنولوجيا المتقدمة، من خلال إنتاج الهيدروجين الأخضر والوقود الاصطناعي، حيث سيكون التركيز الأولي لنشاط الشركتين في أبوظبي، على أن يتوسع هذا النشاط بمرور الوقت ليشمل الأسواق الدولية الأخرى.
كما تلتزم وزارة الطاقة والبنية التحتية بتطوير اقتصاد الهيدروجين في دولة الإمارات، والاهتمام بهذا القطاع الناشئ المهم، حيث كشفت وزارة الطاقة عن نيتها لاستهداف الحصول على حصة 25% من سوق طاقة الهيدروجين في الأسواق الرئيسية في العالم على مدار العقد الجاري وحتى حلول عام 2030 ضمن خطتها لريادة مصادر الطاقة الجديدة وتعزيز جهود العالم نحو التحول لطاقة المستقبل وتحقيق متطلبات مواجهة تغيرات المناخ.
ووضعت الوزارة خططاً استراتيجية لتنفيذ تلك الرؤية مع الشركاء الرئيسيين وبمقدمتهم «أدنوك» و«مبادلة» وشركة «أبوظبي القابضة» و«ديوا» و«بيئة» وغيرها من الجهات المعنية، بما يسرع من وتيرة الوصول للنسبة المستهدفة وتحقيق التوسع نحو الطاقة المستحدثة.
وتعد محطات براكة أحد أهم المشاريع الداعمة لتعزيز تبني استخدام الطاقة النظيفة، لدورها الفاعل في خفض معدل انبعاثات غازات الدفيئة، وبالتالي خفض البصمة الكربونية، وهو ما يؤكد على التزام الدولة في دعم وتعزيز جهود العمل المناخي، وتحقيق أهداف مبادرة الحياد المناخي 2050.
أما في مجال الطاقة الشمسية، أعلنت شركات عالمية مزودة للطاقة المستدامة التي تتخذ من الإمارات مقرًا لها، لبناء وتشغيل وصيانة عدة محطات للطاقة الشمسية في المنطقة الحرة في جبل علي بدبي، ما سيمكنها من بلوغ هدفها المتمثل بصفر انبعاثات كربونية بحلول العام 2050، كما تعد محطة “شمس1” واحدة من أكبر مشاريع إنتاج الطاقة الكهربائية باستخدام ويهدف مشروع الطاقة الشمسية المركزة، لتوفير 7 في المائة من احتياجات إمارة أبو ظبي من الطاقة المتجددة.
وفي دبي تم الإعلان عن أكبر مشروع للطاقة الشمسية المركزة في العالم بنظام المنتج المستقل الطاقة الشمسية المركزة بقدرة 1,000 ميغاواط حتى عام 2030 ، ويعتبر المجمع أكبر مشروع للطاقة الشمسية المركزة في العالم، وهو يتفوق في ذلك على أكبر برج في العالم لإنتاج الطاقة الشمسية المركزة في المغرب بطاقة تبلغ 150 ميغاواط، كما أن مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، يعد أكبر مشروعات الطاقة المتجددة في العالم في موقع واحد بمساحة 4.5 كيلومتر مربع، في منطقة سيح الدحل على طريق دبي – العين.
ويأتي افتتاح محطة الشارقة لتحويل النفايات، كمرحلة جديدة في مسيرة تعزيز إنتاج الطاقة النظيفة وجهود الوصول للحياد المناخي عبر إنتاج أول كيلو واط من الكهرباء من خلال معالجة النفايات وذلك مع طاقة، والتي تعد الأولى من نوعها على مستوى الشرق الأوسط.
وستسهم المحطة في تحويل ما يصل إلى 300 ألف طن من النفايات عن المكبات سنوياً، لتنتج 30 ميجاواط من الكهرباء منخفضة الكربون، ما يكفي لتزويد نحو 28 ألف منزل في الإمارات بالكهرباء، وتوفير 45 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي في كل عام، كما يساهم المشروع في تفادي انبعاث ما يصل إلى 450 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، وهو ما يدعم مساعي الدولة لتنفيذ المبادرة الاستراتيجية الخاصة بتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050.
وتواصل الإمارات العمل على إنشاء وتطوير عدد من محطات تحويل النفايات إلى طاقة ومن أبرزها مشروع مركز دبي لمعالجة النفايات في منطقة الورسان، الذي سيشكل عند تشغيله إحدى أكبر محطات العالم لتحويل النفايات إلى طاقة، بتكلفة نحو 4 مليارات درهم، وتطويره وفقاً للمعايير البيئية الدولية، وبطاقة استيعابية تبلغ نحو 1000 شاحنة محملة يومياً.
يذكر، إنه في يناير 2021 تم الإعلان عن فتح باب المنافسة لإنشاء المحطة الأولى في أبوظبي بنظام المنتج المستقل، تتراوح قدرتها السنوية على معالجة النفايات بين 600 ألف و900 ألف طن ينتج عنها طاقة تكفي لتوفير الكهرباء لحوالي 22,500 منزل في دولة الإمارات، وستسهم المحطة في خفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بمقدار 1.5 مليون طن سنوياُ ما يعادل إزالة أكثر من 300 ألف سيارة من الطريق.
وفي أم القيوين يتواصل تنفيذ مشروع محطة معالجة النفايات الصلبة وإنتاج الوقود البديل الذي تصل كلفة الإجمالية إلى نحو 132 مليون درهم، ويهدف لمعالجة النفايات البلدية الصلبة المتولدة في إمارتي عجمان وأم القيوين واستغلالها في إنتاج وقود بديل يمكن استخدامه لتوفير الطاقة لمصانع الأسمنت التي تعتمد على الفحم في عملياتها التشغيلية.
وتواصل الجهات والهيئات المختصة في الدولة على المستويين الاتحادي والمحلي بإعداد دراسات شاملة ومفصلة بهدف تطوير الخطط واتخاذ الإجراءات اللازمة للوصول للحياد المناخي بحلول عام 2050 مع ضمان النمو الاقتصادي المستدام.
البيان