اعتبرت الدكتورة ابتسام الكتبي، رئيسة مركز الإمارات للسياسات، أنّ اتجاه دول الخليج العربي لتنويع شراكاتها الاستراتيجية وبناء قوتها الذاتية لا يتعارض مع فكرة أن أميركا حتى الآن هي أهم شريك استراتيجي لها على الساحة الدولية.
وأفادت بأن التحليلات الرائجة تشير إلى أن الولايات المتحدة قررت تخفيف ارتباطها وهيمنتها في إدارة ملفات المنطقة الكبرى بعد اكتشاف احتياطي ضخم للنفط على أراضيها، وقرارها بالتحوّل نحو الصين وجيرانها، وفي أعقاب ثورة الزيت الصخري وبالتالي تراجع قيمة الدول العربية والخليجية كشركاء استراتيجيين للولايات المتحدة.
وقالت: إنّ مسار التحولات في العلاقة الأميركية- الإيرانية بدأ منذ سنوات ليست قريبة، وظل يتأرجح صعوداً وهبوطاً، ووضوحاً وغموضاً، وهذا ما يدفع محللين استراتيجيين ومراقبين إلى اعتبار هذا التحول حصيلة تراكمات مديدة من الجدل والحوار والتفكير في أروقة المؤسسات الأميركية المختلفة وليس وليد رئاسة أوباما فقط، ورغم أننا حلفاء إلا أن الإدارة الأميركية لا تفهم المنطقة.
وأضافت أن قيمة إيران الاستراتيجية زادت بالنسبة للولايات المتحدة بسبب قربها من بحر قزوين، ونفط الخليج، وخطوط أنابيب الغاز التي تزود أوروبا بالوقود، وقربها من أفغانستان، واستخدامها في احتواء الصين.
وقالت الكتبي: إن على دول الخليج ألا تتوقع اتخاذ الولايات المتحدة الأميركية إجراءات، وفقاً للأولويات الخليجية، مبينة أن هذه الأولويات لم تعد تُشكّل أولويات واهتمامات أو مصالح أميركية.
وقالت الدكتورة الكتبي، خلال ورشة عمل «تحول التقدير الاستراتيجي الأميركي للشرق الأوسط وانعكاساته على أمن الخليج» التي نظمها المركز، أمس في أبوظبي، إن دول الخليج العربي لا تزال مقتنعة بأن تعميق الشراكة الأميركية -الخليجية يخدم مصالح أميركا والخليج على حدّ سواء.
وأضافت أن استقرار الدول العربية والخليجية عرضة للخطر مع تراجع الدور القيادي للولايات المتحدة الأميركية، ما لم يتم سدّ الفراغ الاستراتيجي الذي نجم عن تحول التقدير الاستراتيجي الأميركي بالمنطقة والعالم.
وقالت الكتبي، إنه مع التحول في التقدير الاستراتيجي الأميركي طرأ إحساس وتقدير عام لدى دول عربية وخليجية تحديداً، خاصة السعودية، بتخلي الولايات المتحدة عنها.
وأضافت، خلال جلسة «مستقبل أمن الخليج في ضوء التحوّل في التقدير الاستراتيجي»: أدّى هذا الفراغ بالمنطقة الناجم عن التحول الأميركي إلى ظهور وجهة نظر ترى أن الدبلوماسية الأميركية لا تكترث بأي مكاسب روسية في المنطقة، وعلى وجه الخصوص في الملف السوري، الذي سلمته واشنطن لموسكو، واكتفت بالإطار التنسيقي معها في إدارة الأزمة السورية، وإخراجها بشكل يتم التراضي بشأنه بين الدولتين الكبريين.
وتابعت الكتبي: من المهم لأي مقاربة استشرافية لمستقبل أمن الخليج في ضوء التحول بالتقدير الاستراتيجي الأميركي أن تتوقف عند عدد من الأطروحات هي أنّ اشتداد المواجهة مع إيران أو خفوتها سيعتمد على نتيجة حسم الأوضاع في اليمن وسورية والعراق، وعلى اتجاهات أسعار النفط التي تؤثر على الوضع الاقتصادي في إيران، وأنّ التحديات الأمنية وتعزيز السِلم الإقليمي في الخليج والشرق الأوسط، يقتضيان هيكلاً أمنياً إقليمياً جديداً يسمح بالتفاهم بين دول الخليج وإيران على إدارة ملفات الصراع من دون الاعتماد على لغة السلاح وحروب الوكالة. هذا ملف من المهم أن تمتلك فيه دول الخليج رؤية متسقة وواضحة.
وذكرت أنه من بين تلك الأطروحات أيضاً أنه يمكن الاتفاق المبدئي على خريطة طريق تضع محاربة «داعش» ووقف التدخل الإيراني في الشؤون العربية، ودعم المليشيات كمداخل أساسية لبناء هيكل أمن إقليمي جديد بين دول الخليج وإيران، وهذا من شأنه أنْ يعيد الاستقرار للمنطقة، ويُوقف الصراعات المشتعلة، ويتناغم مع رؤية أميركا في «تقاسم العبء» و«المشاركة الجماعية» في تأمين الأمن والاستقرار في الإقليم.
بدوره، قال باري بافل، نائب رئيس ومدير مركز برنت سكوكروفت للأمن الدولي التابع للمجلس الأطلسي في الولايات المتحدة الأميركية، إن التدخل الأميركي في منطقة الشرق الأوسط زاد إبان الحرب الباردة، وزاد أكثر بعد نهايتها، وفي إثر حرب العراق.
وأضاف بافل خلال جلسة «أسباب وسياقات التحول في التقدير الاستراتيجي الأميركي للشرق الأوسط، وانعكاسات ذلك على توزيع القوة في الشرق الأوسط»، إنه مع مجيء إدارة أوباما إلى السلطة في يناير 2009، كانت الأزمة المالية متفاعلة، وفي ذلك الوقت كانت أولويات الإدارة ترتكز على منع حدوث ركود اقتصادي، والخروج من حربي العراق وأفغانستان.
وأضاف أن إدارة أوباما أعادت تقييم السياسة الخارجية واستراتيجياتها الدولية، فقامت في يناير 2012 بالإعلان عن استراتيجية «التحول إلى آسيا»، إلا أن الاستراتيجية لم تكن مهيأة ومهيكلة بشكل جيد، لذا لم تتحول إلى خطوات وتدابير عملية.
وأكد أن السياسة الأميركية ساعدت أحياناً في تفشي الأزمات بالمنطقة، ومن ذلك الأزمة السورية التي تعاملت معها إدارة أوباما في البداية كأزمة إنسانية، وكانت الإدارة تنطلق في تعاملها مع الأزمة من محاذير عدة، أهمها: عدم رغبتها في التورط فيها، وعدم رغبتها في إذكاء التطرف، وعدم رغبتها في عسكرة الأزمة، وعدم رغبتها في تمدد الأزمة إلى الدول المحيطة.
وحول الاتفاق النووي الأميركي مع إيران، قال بافل: «مع تأييد إقامة مشاورات مع إيران ومحاولة إدماجها اقتصادياً لخفض التهديد الذي تمثله، إلا أن الإدارة الأميركية تخطئ إذا تتخذ موقفاً محايداً بين إيران وحلفائها الخليجيين في المنطقة».
ولفت إلى أن الولايات المتحدة تراجعت في التزاماتها تجاه حلفائها، والوقت ليس مناسباً لانكفاء الولايات المتحدة عن المنطقة، وقد حان الوقت كي تتبنى الولايات المتحدة موقفاً أكثر استراتيجية لقيادة العالم والشراكة مع القوى المهمة والحلفاء في العالم والمنطقة. وشدد على أنه يتوجب على الولايات المتحدة أن تعمل بشكل وثيق مع حلفائها في الخليج، لحل الأزمة في سورية، وهذا يعني زيادة نشر القوات على الأرض.
قال الدكتور محمد بن هويدن، أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية: إنه منذ اهتمام الولايات المتحدة بمنطقة الخليج، اتسمت المصالح الأميركية تجاه المنطقة بالثبات، القائم على استمرار تدفق النفط، في حين أن الاستراتيجية مالت إلى المراوحة بين الواقعية والمثالية.
وأضاف: أصبح هناك اختلاف بين الحليفين الخليجي والأميركي في توصيف «العدو»، فبينما تنظر دول الخليج إلى إيران كتهديد وجودي لدول المنطقة، تريد تغيير قيم المنطقة، وإنشاء قيم مناقضة، يلحظ أن الولايات المتحدة أصبحت تنظر إلى إيران كشريك، وتدعو إلى «مشاركة النفوذ» بين الطرفين ومعهما الخليجي.
وأضاف: إنه لا يوجد خيار أمام دول الخليج إلا احتواء إيران، من خلال، تعزيز وتقوية «التحالف العربي»، الذي تقوده السعودية، وعدم إضعاف العلاقة مع الولايات المتحدة، التي تعد شريكاً وحليفاً استراتيجياً لدول الخليج، وفي هذا الصدد يمكن توثيق العلاقات الاستراتيجية مع المؤسسة العسكرية في الولايات المتحدة، الانفتاح على شراكات جديدة في أوروبا، مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا واستمرار الضغط على الولايات المتحدة من أجل تفهم مخاطر السياسات الإيرانية.
ذكر الدكتور حسين ايبش من معهد دول الخليج العربية في واشنطن، ما أسماها العوامل التي تؤثر في السياسة الأميركية تجاه المنطقة، وبين أن من تلك العوامل الاعتقاد بتراجع أهمية المنطقة للولايات المتحدة بسبب تراجع الاعتماد الأميركي على نفط المنطقة، سواء نتيجة للاكتفاء الذاتي أو لوجود بدائل أخرى لواردات النفط، إضافة إلى أن الإرهاب لا يمثل مشكلة للولايات المتحدة، وهو أيضاً كذلك بالنسبة لدول المنطقة. وأضاف أن من بين تلك العوامل أنه مفهوم «الدولة المارقة» لم يعد قائماً في السياسة الأميركية، ولا توجد دول مارقة في الشرق الأوسط، لاسيما بعد إبرام الاتفاق النووي مع إيران.
ولفت ايبش، خلال جلسة «العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة في تغيير أو تعديل التقدير الاستراتيجي الأميركي الحالي للشرق الأوسط» إلى أن هناك سياسات ستشهد استمرارية لدى الإدارة الأميركية بغض النظر عن الفائز في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ومنها استمرار الوجود العسكري في المنطقة، سواء في القواعد القائمة أو انتشار الأصول العسكرية البحرية في البحار ضمن المنطقة وعدم العودة إلى سياسة جورج بوش «الابن» حتى لو كان الفائز جمهورياً والتركيز على تقاسم دول المنطقة المسؤولية وتحمل الأعباء مع الولايات المتحدة والاستمرار في محاربة التنظيمات الإرهابية بالمنطقة.
في جلسة «السيناريوهات المتوقعة للتقدير الاستراتيجي الأميركي للمنطقة في العقدين المقبلين»، سعى المستشار في مركز الإمارات للسياسات وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جورج تاون، الدكتور زيد عيادات، إلى التنبؤ بسيناريوهات مستقبل منطقة الخليج في ضوء التغيرات الاستراتيجية، خصوصاً التحول في السياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة.
وانطلق في بناء السيناريوهات المحتملة من واقع السياسات العربية، والخليجية بشكل خاص، وليس بالاعتماد على السياسة الأميركية. وأشار الباحث إلى ثلاثة سيناريوهات محتملة: الأول، السيناريو المتفائل ببناء منظومة خليجية بالاعتماد على الذات أولاً والتحالفات ثانياً، مترافقاً مع حل المشاكل الإقليمية وإعادة تأهيل إيران. والسيناريو الثاني: هو المتشائم الذي قد يعود إلى حل إشكالات إقليمية دون بناء إطار أمن إقليمي جديد، بالاعتماد على الذات، والاستمرار في توقع تدخل القوى الأخرى من أجل حماية أمن الخليج، بما في ذلك إسرائيل والهند والصين. أما السيناريو الثالث: فهو الأكثر تشاؤماً، بحسب وصف الباحث، وهو السيناريو القائم على الإخفاق في بناء منظومة أمن جديد، وفي حل المشكلات الإقليمية، والفشل في سياسات التحول الوطني، وتعاظم التطرف والإرهاب، وتزايد مشاكل الفقر والبطالة والدول الفاشلة.
الاتحاد