علي أبو الريش

ابن رشد العالِم والفقيه، الفيلسوف والحكيم، وصفه دانتي شاعر إيطاليا العظيم بـ«الشارح العظيم»، ولكن في ديار المسلمين ناصبة الجهلاء العداء فأحرقوا كتبه ونفوه من موطنه حتى مات قهراً وسقماً، الذين يجهلون الحقيقة ينهشون الحق بأنياب صفراء بادعاء أنهم الأوصياء على الدين، الأولياء على الفكر الإنساني، وابن رشد الفيلسوف العاكف على حماية الفكرة من الضياع في غابة التوحش الواقف عند حدود المعرفة الحقة، القائل بالحقيقتين، وقفت ضده العشوائية والغوغائية والعبثية والعدمية والفوضوية، هذه الشريحة من البشر التي وافقت جملة وتفصيلاً على محاربة الإسلام، بالدعاية والغواية والوشاية وسارت على مذهب الظاهرية، دون تفحص أو تمحص للدين كونه دين العقل قبل القلب، ودين الحقيقة قبل الخيال، ودين الواقع قبل الوهم، ومن يرد أن يمثل أمام الله بقلب علته السذاجة فإنه كمن يسبح في بحر لجيّ من غير معرفة بالسباحة، ومن يرد أن يتمثل بالإسلام من دون وعي فهو كمن يعيش حلماً كابوسياً، لا يقوده إلا إلى مواقع الفزع والجهل الرهيب.. ابن رشد واجه الغيَّ بالوعي وقارع الحماقة باللباقة وصارع الوهم بالعلم وحارب الخيال بوضوح المقال وقدم الفلسفة كمسبار لمشاعر الناس ومصباح يقودهم إلى أغوار الدين وأعماقه، وهي التي تختزن الدر النفيس، ولكن الجهلة اعتبروا مناقشة الدين والتبصر في الموجودات، والتفكر في خلق الله البديع شيئاً من الكفر، الأمر الذي جعلهم يستشعرون الخطر جراء معرفتهم أن هناك فيلسوفاً فذاً يبحث في المستور ويطرح الأسئلة، واسعة، فسيحة لا تحدها حدود.. القابضون على الفكرة الجامدة مثل الراقدين تحت القبور والحركة في الفكر تطيح بآمالهم المعهودة والمرسومة شططاً ولغطاً، هؤلاء الذين يعيشون اليوم بيننا هم أحفاد أولئك الذين أحرقوا كتب ابن رشد لأنهم استهوتهم الظلمات ولا يريدون النور، لا يريدون الخروج من كهوف العتمة لأنهم كخنفساء الروث لا تعيش إلا في الأماكن العفنة.. وابن رشد الذي أجلَّه الغرب وفلاسفته العظام، أنكره قومه، ونبذوه، وجعلوه كسائر الخدم لأنهم جهلوا معرفته بالله، وغابت عن ذهنيتهم الضيقة ما وصلت إليه عبقرية هذا الفيلسوف، ولذلك سنظل نحوم في دائرة الظلام طالما أنكرنا دور المعرفة في فهم الدين.