د. فاطمة الصايغ
يفتتح في جامعة السوربون في أبوظبي يوم الأحد السادس من ديسمبر معرضا لمجموعة من الصور النادرة للمغفور له بإذن الله تعالي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بعدسة مصور ورحالة فرنسي زار أبوظبي في عام 1968. الصور التقطها المصور الفرنسي ريموند ديبردون عند زيارته أبوظبي آنذاك ولقائه بالشيخ زايد والذي وصفته عدسة المصور بأنه الزعيم القادم للأمة.
كان الشيخ زايد آنذاك لا يزال منغمسا في مباحثات الاتحاد والتي تكللت بالنجاح في عام 1971. وقد صورته عدسة المصور وهو يلتقي بشيوخ الإمارات يتبادل معهم الآراء والرؤى حول الاتحاد القادم ويحاول التوصل إلى صيغة توافقية تلائم الجميع.
دوافع وأسباب مجيء الرحالة الفرنسي كانت غريبة بعض الشيء. فقد سمع عن منطقة الإمارات والتي كانت تلقب في الأدبيات الغربية “بساحل القراصنة” أو الساحل المتصالح من كتاب قرأه ودفعه الفضول للمجيء إلى المنطقة بنفسه والتعرف عليها عن قرب.
ولهذا عكست صوره تلك الرغبة في التعرف على كل جوانب الحياة في هذه المنطقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فلا غرابة أن نجد ريموند يتنقل في أرجاء الإمارات وكأنه غير مصدق بأنه جاء إلى المنطقة التي وصفتها الادبيات الغربية بأنها خطرة ومعقدة وغير متحضرة. كان لقاؤه بالشيخ زايد هو أقصى أمنياته. فهو، كما وصفته عدسة ريموند بأنه الزعيم القادم.
قام ريموند برحلته تلك في وقت كانت منطقة الإمارات بأسرها تشهد تحولات جذرية على كافة الصعد. فأبوظبي تحولت الى ورشة عمل تعمل ليلاً ونهاراً للحاق بركب التحضر. كما أنها اصبحت مصٍدرا مهما للنفط الذي يبدو أنه في ذلك قد أصبح فعلاً عصب الحياة الاقتصادية لأبوظبي. أما دبي فقد وصفتها عدسة ريموند بأنها فينيسيا الشرق.
كانت المراكب الصغيرة تختال في الخور ذهابا وإيابا تنقل الركاب والبضائع بين ضفتي الخور وتنقل معها ثقافات وإرثا تجاريا تاريخيا مضى عليه قرون. كانت هذه الفترة فترة بزوغ لدبي التي افتتح مطارها والذي سرعان ما تحول الى الشريان الاقتصادي الجديد لنقل البضائع من وإلى الإمارات.
ومن أهم البضائع التي صورتها عدسة المصور هي سبائك الذهب والتي كانت تستورد بصورة كبيرة من زيورخ ويعاد تصديرها الى الخارج، الامر الذى اعتبره ريموند أمرا مبهرا. فدبي قد تحولت الى مركز لإعادة تصدير كل شيء بما فيه الذهب.
باختصار الصور تجلب للذاكرة رمزية فترة يفوح منها عبق التاريخ وتحكي حكاية مشيخات صغيرة نائمة على رمال الصحراء أيقظتها يد رجال عرفوا كيف يطوعون كل عامل فيها لخير أهلها ولتصبح اليوم أنموذجا سياسيا واقتصاديا مبهرا. فلا غرابة أن تأتي تلك المجموعات من الصور وبعد فترة طويلة كمصدر مهم يحكي لنا تاريخ فترة مضت ويصور لنا بالصوت أحيانا وبالصورة أحيانا أخرى لقطات مهمة من تاريخنا.
إن أهمية هذه المجموعة وأمثالها من المجموعات من الصور والمحفوظة حتى الآن في الغرب أنها جزء مهم من تاريخنا، وهي تجعلنا نقارن الماضي بالحاضر وندرك اننا حققنا في وقت قصير ما لم يحققه غيرنا في نفس الوقت.
كذلك تأتي أهمية هذه الصور أنها تسجيل لجزء مهم من تاريخنا بعدسة الاخر وبعيون الاخر. كما تكمن أهمية هذه الصور أنها تذكار حي يذكرنا بجهود الآباء المؤسسين والذين رغم قساوة الظروف ووعرة الطرق مضوا في الطريق مسلحين بعزيمة لا تلين وبقوة لا تضعف لتحقيق أحلام كبار نفخر بها اليوم.
إن الغربين من أمثال ريموند وغيره من الرحالة والمصورين الذين جالوا في ديارنا قبل الاتحاد مدركين الآن أهمية تلك اللقطات النادرة التي التقطوها بعدساتهم ومدركين أهميتها التاريخية لنا في هذا الوقت بالتحديد. ففي الوقت الذي ظهرت فيه الإمارات كدولة متطورة ناهضة وغنية مهتمة بالحفاظ على ارثها الثقافي جاءوا الينا يعرضون ما لديهم البعض طمعا في الحصول على ثروة والبعض الاخر طمعا في الحصول على شهرة.
ولكن ليس كل مجموعة من الصور تعرض هي مجموعة تستحق الاقتناء ولكن مجموعة ريموند تعد من المجموعات المهمة التي تستحق الاقتناء. فنظرا لتقدم سن صاحبها ونظرا لأنها توثق مرحلة من مراحل تاريخنا فيجب أن لا ندع تلك المجموعة تذهب للغير. كما أن من يفكر في اقتناء بعض من هذه المجموعة أن يفكر في اقتنائها كاملة. فهي جزء من إرثنا الثقافي الذي يجب أن نحافظ عليه خاصة وأننا بصدد افتتاح عدد كبير من المتاحف قريبا.
-البيان