د. فاطمة الصايغ
إعلان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، باعتماد عام 2016 عاماً للقراءة جاء خطوة متميزة، وفي التوقيت المناسب، ويستهدف فئة محددة وهي فئة الشباب، فالقراءة ليست فقط مطلباً إنسانياً، ولكنه مطلب ديني.
حيث حثنا ديننا الحنيف على القراءة والتزود بالمعارف التي توسع المدارك، وتفتح لنا الآفاق المغلقة، كما أن التشجيع على القراءة أصبح مطلباً هاماً للتربويين والقائمين على العملية التربوية والتعليمية، الذين اعتبروا أن القراءة هي مفتاح العلم والمعرفة وخاصة بالنسبة للشباب الذين أصبحوا مهووسين باقتناء المعلومة من الإنترنت من دون أن يعرفوا مصدرها الحقيقي.
والهدف الذي وضعت من أجله، ولكن ما هي القراءة التي يجب أن نشجع أبناءنا عليها؟ هل هي قراءة الكتب الورقية أم القراءة الإلكترونية؟ وهل كل قراءة يمكن أن نطلق عليها قراءة مفيدة؟
في الغرب تشجع الأسر أبناءها على القراءة منذ نعومة أظفارهم، فالقراءة في الدول الغربية وخاصة بين أوساط الشباب نسبتها كبيرة، وذلك راجع إلى تجذر ثقافة القراءة في نفسية الفرد منذ طفولته، كما أن الكتاب الورقي له مكانة وحيز مهم في حياة الفرد.
وذلك لأن ثقافة حمل الكتاب هي الأخرى ثقافة متجذرة تعود عليها الطفل، فنجد الأم مثلاً، تحرص على حمل كتاب لطفلها مع لعبه وأغراضه الأخرى، بينما تحرص الأمهات عندنا على حمل الآيباد مع لعب طفلها لإشغاله، بينما هي تقوم بمهامها الأخرى.
الغرض من الكتاب عند الغربيين هو المعرفة، بينما الغرض من الآيباد، الذي حل محل الكتاب، هو التسلية وشغل الوقت.
ويكبر الطفل ويكبر معه نهمه للمعرفة، وبينما يعوّد الغربيون أطفالهم على زيارة المكتبات العامة وطلب المعرفة من بطون الكتبو نعوّد نحن أطفالنا على طلب المعلومة من الإنترنت أو أي مصدر آخر من دون رقابة أو معرفة للهدف من تلك المعلومة.
وبالتالي يصبح الفرق واضحاً بينا وبينهم والنتائج هي الأخرى واضحة. هم أصبحوا أمة اقرأ وأمة اقرأ أصبحت لا تقرأ. الفرد الذي لا يقرأ أو الذي يقرأ من دون اهتمام ومن دون تركيز في محتوى وأهداف ما يقرأه هو فرد جاهل.
الشباب الذين اندفعوا في أتون التطرف كانوا أيضاً يقرأون ولكن ما هي قراءاتهم ومن أين استقوها؟ وما هي القراءات التي أثرت فيهم وأججت فيهم نار الفتنة والإرهاب والتطرف؟ ومن هم الكتاب الذين كانوا يتابعونهم على الإنترنت ويتبعون خطاهم في الحياة، وينفذون أفكارهم سواء تناسبت مع الحياة التي يعيشونها أو عكس ذلك.
الأحداث الأخيرة في عالمنا العربي والإسلامي تثبت أهمية قيام نهضة علمية ومعرفية على أسس سليمة وصحيحة، فظهور تلك التنظيمات الإرهابية الشبابية تثير في أنفسنا الكثير من التساؤلات والعديد من الهواجس.
ما هي ظروف ودوافع انجذاب هؤلاء إلى تلك الأفكار الهدامة؟ وما هي القراءات التي أثرت فيهم وأججت في أنفسهم كل تلك الكمية من الكره للناس والحياة والمختلف عنهم في الفكر؟ أين هؤلاء الشباب من التربية الإسلامية الصحيحة التي تدعو إلى الاعتدال والفكر وطلب المعرفة ولو كانت في الصين؟
من المؤكد أن هؤلاء الشباب المتطرفين كانوا يقرأون، ولكن من المؤكد أيضاً أنهم لم يجدوا من الرقابة الأسرية ما يرشدهم إلى القراءات المناسبة التي توسع مداركهم وتوسع آفاقهم، وتجعلهم يقبلون بالاختلاف وينشدون التسامح والوسطية. هؤلاء سقطوا فريسة لفئة متنفذة استطاعت أن تجذبهم إلى أجندتها وتستخدمهم وسيلة لتحقيق أهدافها السياسية والأيدولوجية.
إن التطورات السريعة والمتلاحقة للعصر الذي أصبحنا نعيش فيه لا تستطيع حصر العلوم والمعارف في الكتب الورقية، بل جعلتها متاحاً عبر الشبكة العنكبوتية، ولكن الأحداث المتلاحقة قد أثبتت أن التقنيات المتجددة والمتطورة يمكن أن تكون سلاحاً ذا حدين، فهي أداة سريعة ونافعة لاستقاء المعلومات والعلوم الجديدة وهي أيضاً أداة فتاكة عندما يُساء استخدامها وتغيب الرقابة عنها ،وتقع في يد من يستخدمها للألحاق الضرر بالآخرين.
نحن لا ندعو إلى التقيد بالكتاب الورقي، ولكن طلب المعلومة عبر أي وسيلة، ولكن ميزة الكتاب الورقي أنه يطور علاقة خاصة بين الكتاب والقارئ لا تتطور عبر الشبكة العنكبوتية.
إننا في عام 2016 ننشد ليس فقط تشجيع الشباب على القراءة ولكن تشجيعهم على القراءة النافعة التي توسع مداركهم وتدعوهم للاعتدال والوسطية، وتقبل اختلاف الآخر والتعايش معه، وبالتالي نكون قد نجحنا في تحقيق الأهداف المفيدة من القراءة.
– البيان