د.موزة أحمد راشد العبار

عندما تثار أزمة المعرفة والبحث العلمي، يتبادر للذهن أن أسئلة كثيرة لابد من التصدي لها، وذلك قبل السعي لإيجاد حلول، لأن منطلقات البحث العلمي تقوم على فرضيات ترتبط بالسؤال الأساسي المطروح وهو: ما هي العوامل التي أقعدت البحث العلمي في الوطن العربي بشكل عام وعلى وجه الخصوص في بلادنا، وهل سيمكننا دخول حلبة التنافسية الإقليمية أو الدولية دونما إنجازات بحثية تذكر.

وكيف سيكون بمقدورنا اللحاق بركب دول قطعت شوطاً في إرساء قواعد ومرتكزات قوية للأبحاث العلمية المعمقة، مثل سنغافورة وماليزيا وجنوب أفريقيا، وهي دول ناشئة ولكنها ناشطة في إجراء الدراسات والأبحاث المعمقة،في شتى مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية؟.

قد تتباين الآراء وتتعدد وجهات النظر، حول أسباب تراجع البحث العلمي في بلادنا إلى دون التوقعات، بحيث صار أزمة تستحق الاهتمام من كافة الجهات.

في تقديري أن مؤسساتنا التعليمية لم تدرج البحث العلمي ضمن المساقات الدراسية، ولهذا لم يجد حتى طالب الجامعة حصيلة من المعرفة بأساسيات البحث العلمي، وأدى ذلك إلى انعدام ثقافة البحث العلمي في المجتمع، وهي ثقافة يكتسبها أفراد المجتمع منذ مراحل باكرة، عبر عملية التنشئة العلمية، بدءاً من مرحلة التعليم الأساسي حتى المرحلة الجامعية.

ليتم القضاء على حالة فقر الدم المعرفي، على أن يتولى المهمة في كافة مراحلها، جهاز يمكن أن نطلق عليه «مفوضية البحث العلمي»، يناط به وضع استراتيجية وطنية قصيرة وطويلة المدى للارتقاء بالبحث العلمي في بلادنا، مع الوضع في الاعتبار أولويات البحث العلمي، كأن يتم التركيز على القضايا الأكثر إلحاحاً والمرتبطة بحركة تطور وتقدم المجتمع.

سواء في الميادين الاقتصادية أو البيئية أو الاجتماعية أو التكنولوجية، وهي مجالات رحبة تحتمل كماً هائلاً من القضايا والظواهر التي في حاجة ماسة للدراسة والاستقراء والتحليل العلمي، بسبب ارتباطه العضوي باحتياجات المجتمع، فالثابت أن مشكلات المجتمع لا تحل بالقرارات.

وإنما بنتائج الأبحاث والدراسات المعمقة، فنحن في أمس حاجة إلى تنمية رأس المال البشري لبناء مجتمع المعرفة، والسبيل الأمثل في تقديري، يكمن في حصر المبرزين من خريجي الجامعات وابتعاثهم للحصول على درجات علمية في تقنيات البحث العلمي، في كافة ميادين المعرفة ليعهد إليهم بحمل مشاعل الريادة والتميز العلمي.

لقد استطاعت بعض الدول الأوروبية إحداث نقلات متتالية في كافة ميادين البحث العلمي، بمبادرات اطلع بها القطاع الخاص بتخصيص نسبة مقدرة من أرباحه لدعم الجامعات ومراكز البحث العلمي، فضلاً عن تقديم المنح الدراسية للطلاب المتميزين من خريجي الجامعات.

ويذكر الناس رجال الأعمال أمثال «روكفلر وفورد وبيل غيتس» صاحب شركة مايكروسوفت لتقنية المعلومات، الذي أنشأ مؤسسة تحمل اسم زوجته، وذلك للتفاعل الخلاق مع أطروحات المسؤولية الاجتماعية (سز) للشركات الداعية إلى تبني الشراكة الاجتماعية بين مؤسسات القطاع الخاص والمجتمع، وتفعيل الدور الاجتماعي لقطاع الأعمال.

نحن مطالبون بالكف عن الاعتماد المطلق على (خبراء أجانب)، يناط بهم إيجاد حلول لقضايا تدخل ضمن صميم خصوصية مجتمعنا، وهم لا يعرفون عنها شيئاً.. ومع ذلك تؤخذ نتائج أبحاثهم وتقاريرهم، ويعتمد عليها في تنفيذ الخطط والبرامج ذات العلاقة بمستقبل بلادنا.

والأوفق أن يستفاد من أساتذة الجامعات والخبراء من المواطنين الحاصلين على مؤهلات علمية من أرقى الجامعات في العالم،سواء من الجامعات العربية أوالأجنبية، وهم ولله الحمد كثرة!ولديهم الإلمام الشامل والمعرفة الكافية بخبايا وحوائج وطنهم !لأن أهل مكة أدرى بشعابها، وما لنا بأدعياء الخبرة، ففاقد الشيء لا يعطيه.

إننا حقاً في حاجة لقرع ناقوس طوارئ لإيقاظ البحث العلمي من حالة السبات العميق، وجعله من أولى أولوياتنا الوطنية ونحن نستشرف طلائع عام جديد.. آملين أن يحمل في طياته حركة تغيير تدفع بمجتمع الإمارات خطوات جديدة للأمام، في كافة مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية.

فبالبحث العلمي نستطيع عن جدارة دخول مضمار عالم التنافسية، ونحن نتطلع إلى المستقبل الواعد، مع تباشير العام الجديد، واستلهام أطروحات القيادة الرشيدة، لرسم خارطة طريق للارتقاء بهذا الوطن المعطاء، إذ تابعت باهتمام آراء مجموعة من المواطنين والباحثين مؤخرا.

حيث تم تبادل الآراء حول معوقات البحث العلمي وسبل تجاوزها، استرشاداً بتوجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله،إعلان عام 2016 عاماً للقراءة، وتوجيهاته بالبدء في إعداد إطار وطني متكامل لتخريج جيل قارئ وترسيخ الدولة عاصمة للمحتوى والثقافة والمعرفة.

وبمبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي،رعاه الله بإنشاء جائزة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، بهدف تشجيع المعنيين والعاملين في مجال المعرفة، وتحفيزهم إلى الإبداع والابتكار في تطوير مسارات نقل ونشر وإنماء المعرفة حول العالم.

لتفتح آفاقا واسعة أمام أصحاب العقول المبدعة كي يسلكواطريق الإبداع وتحقيق طموحاتهم التي يصبون إليها بكل مرونة ويسر وسهولة مطلقة.والتي مما لا شك فيه أنها ستساهم في إعلاء شأن المعرفة وتؤسس لبناء مستقبل معرفي واعد يصبو له الجميع في وطننا العربي وبلاد العالم أجمع.
– البيان