الإنفلونزا الموسمية عدوى فيروسية تصيب الجهاز التنفسي العلوي والسفلي، وتنجم عن فيروسات الإنفلونزا التي تتغير باستمرار، وتُصنف أخطر وأكثر شدة من نزلات البرد، لكونها تنتشر بسهولة بين البشر عبر الرذاذ المتطاير من العطس والسعال، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس العينين أو الأنف أو الفم، وتشمل أعراضها ارتفاع الحرارة، والسعال الجاف، والصداع، وآلام العضلات، والتعب الشديد، وفي السطور التالية يسلّط الخبراء والاختصاصيون الضوء على طرق الوقاية والعلاج، وأهمية اللقاح السنوي في الحماية من انتشار العدوى.

يقول د. سيداهارث أرورا، مختص طب الأطفال: «تحدث عدوى الإنفلونزا الموسمية نتيجة الفيروس التنفسي المخلوي البشري أو نزلات البرد، وفي بعض الأحيان تنجم عن البكتيريا التي تسبب التهابات الأذن أو التهاب الحلق العقدي، بينما تكون الفطريات أو الطفيليات سبباً أقل شيوعاً».

ويضيف: «تزداد احتمالية الإصابة لدى بعض الفئات كالرضع وصغار السن لأن جهازهم المناعي ما زال في طور النمو، والأطفال الخدّج الذين تكون مناعتهم أضعف، وكذلك الأطفال المصابون بأمراض مزمنة مثل: الربو أو أمراض القلب، إلى جانب أطفال المدارس الذين يكونون في تواصل مباشر ومستمر مع أقرانهم، ما يجعلهم أكثر عرضة لتبادل العدوى».

يوضح د. أرورا، أن أعراض الإنفلونزا الموسمية تختلف بحسب نوع العدوى، إلا أن أكثرها شيوعاً يشمل: الحمى، والسعال، وانسداد أو سيلان الأنف، والتهاب الحلق، وآلام الأذن، وآلام البطن، والطفح الجلدي، والتعب غير المعتاد أو سرعة الانفعال.

ويضيف: يتم التشخيص عادةً من خلال الفحص السريري الدقيق لمناطق الحلق والأذنين والصدر والجلد، ويمكن أن يتطلب الأمر في بعض الحالات إجراء فحوص إضافية، مثل: تحاليل الدم أو مسحات الحلق أو فحوص البول أو حتى الأشعة السينية، حيث يكمن الهدف الأساسي في التمييز بشكل سريع بين العدوى الفيروسية أو البكتيرية، لاختيار العلاج المناسب للمريض.

يؤكد د. أرورا أن معظم حالات العدوى تمر بسلام دون مضاعفات، لكن بعضها يمكن أن يصبح خطِراً إذا لم تتم معالجته مبكراً، وعلى سبيل المثال، قد تؤثر التهابات الأذن المتكررة في السمع، بينما يمكن لالتهاب الحلق العقدي غير المعالج أن يؤدي إلى الحمى الروماتيزمية التي تصيب القلب، كما أن التهابات الصدر مثل الالتهاب الرئوي تسبب صعوبات في التنفس، وينجم عن التهابات المعدة جفاف شديد وخطِر، وفي حالات نادرة جداً تنتشر الجراثيم في الدم مسببة ما يُعرف بتسمم الدم (الإنتان)، وهي حالة تهدد الحياة، لذلك ننصح بعدم تجاهل استمرار الحمى العالية، أو صعوبة التنفس، أو الخمول غير المعتاد، أو رفض الطفل للطعام والشراب.

ويشير د. أرورا إلى أن خيارات علاج الإنفلونزا الموسمية يعتمد على سبب العدوى، وفي معظم الحالات الفيروسية يقتصر الأمر على الرعاية الداعمة والراحة وتناول السوائل وأحياناً أدوية لخفض الحرارة، أما العدوى البكتيرية، فتتطلب المضادات الحيوية، لكن فقط عند الحاجة الحقيقية لتجنب مشكلة مقاومة البكتيريا، وفي حال كان الطفل مريضاً بشدة، فربما تستدعي الحالة إدخاله إلى المستشفى لتلقي محاليل وريدية أو الأكسجين أو طرق أقوى للتداوي.

ويضيف: «يجب على الوالدين التأكد من شرب الطفل لكميات كافية من السوائل وتناول أطعمة خفيفة، والحصول على قسط جيد من الراحة، ويمكن إعطاؤه أدوية خافضة للحرارة، مثل الباراسيتامول، إذا أوصى بها الطبيب، كما تساعد القطرات المالحة على تخفيف انسداد الأنف، ويمكن للعسل (للأطفال الأكبر من عام واحد) تهدئة السعال، وبالطبع يبقى الحب والحنان والاحتضان من أهم ما يسرع عملية التعافي».

ويذكر د. أرورا أن غسل اليدين يظل الوسيلة الأبسط والأكثر فاعلية، ومن المهم تعليم الأطفال عدم مشاركة الأكواب والزجاجات، وإبقاؤهم في المنزل عند إصابتهم بالمرض، إضافة إلى الحرص على حصولهم على قسط كافٍ من النوم وتغذية سليمة تعزز مناعتهم. ويتابع: تبقى اللقاحات من أفضل وسائل الحماية المتاحة، فهي تقي من أمراض خطِرة مثل: الحصبة والتهاب السحايا والالتهاب الرئوي والإنفلونزا، والأطفال الذين يحصلون على التطعيم لا يحمون أنفسهم فحسب، بل يسهمون أيضاً في وقاية من حولهم، بمن فيهم الرضع والصغار الذين لا يمكن تطعيمهم لأسباب صحية.

تكرار الإصابة
تقول د. عائشة نصرت، مختصة طب الأسرة: فيروسات الإنفلونزا الموسمية، وخاصة (أ، ب) تتغير باستمرار، ولذلك تتكرر الإصابة بالإنفلونزا كل عام، ويعد ذوو المناعة الضعيفة هم الأكثر عرضه للإصابة، وخاصة كبار السن ومن تزيد أعمارهم على 65 عاماً، والسيدات الحوامل، والمصابين بأمراض مزمنة، مثل: داء السكري، وأمراض القلب، ومشكلات الرئة والكلى.

وتضيف: «تشمل العلامات الشائعة التي تصاحب الإنفلونزا الموسمية، الحمى والقشعريرة، السعال والتهاب في الحلق، وسيلان أو انسداد الأنف، وآلام في الجسم والصداع والإرهاق، وتواجه بعض الحالات أعراضاً معوية مثل القيء أو الإسهال».

وتوضح د. عائشة نصرت أن تشخيص الإنفلونزا الموسمية يتم عن طريق الفحص السريري، عند ظهور أعراض حادة من الحمى والسعال وآلام الجسم، ويمكن تأكيد الإصابة باختبار تشخيصي سريع للإنفلونزا أو تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) إذا لزم الأمر.

وتتابع: هناك بعض العادات التي يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بالإنفلونزا الموسمية، ومن بينها: البقاء في أماكن مزدحمة أو سيئة التهوية، أو التي بها أشخاص مرضى ممن يعانون السعال والعطس، أو لمس الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين، أو الاتصال الوثيق مع المصابين دون اتخاذ إجراءات وقائية (مثل الكمامة والتباعد الاجتماعي).

تلفت د. عائشة نصرت، إلى أن الخيارات العلاجية لفيروس الإنفلونزا الموسمية تشمل: الأدوية المضادة للفيروسات، ويجب أن تكون تحت إشراف الطبيب، ويمكن استعمال الأدوية الداعمة للحمى والألم، ومثبطات السعال، ومزيلات الاحتقان، ومضادات الهيستامين.

وتشير إلى أهمية الرعاية المنزلية والتدابير العامة، عن طريق الراحة الكافية وشرب كميات كافية من الماء، واستنشاق البخار، واتباع نظام غذائي صحي، والالتزام بالممارسات الوقائية عن طريق ارتداء الكمامة، وغسل اليدين باستمرار، وتغطية الفم عند السعال والعطس، واستخدام المناديل الورقية.

وتؤكد د. عائشة نصرت، أهمية التطعيم، حيث لقاح الإنفلونزا هو الطريقة الأكثر فاعلية للوقاية من الإنفلونزا الموسمية ومضاعفاتها، لكونه يقلل من خطر الإصابة بنسبة 40 إلى 70%، وحتى في حال الإصابة، عادة ما يعاني الأشخاص المُلقحون أعراضاً أخف، ومدة مرض أقصر، وخطراً أقل لدخول المستشفى، حيث يساعد التطعيم على الوقاية من المضاعفات الخطِرة، مثل: الالتهاب الرئوي، ونوبات الربو، والنوبات القلبية، وحتى الوفاة، ويوفر حماية قوية للفئات الأكثر عرضة للخطر، كالأطفال، وكبار السن، والنساء الحوامل، والأشخاص المصابين بأمراض مزمنة.

وتتابع: «يجب الحصول على لقاح الإنفلونزا لجميع الأشخاص بداية من عمر 6 أشهر فأكثر، ويُنصح به بشكل خاص لكبار السن (65 عاماً فأكثر)، والحوامل، والعاملون في مجال الرعاية الصحية، والمصابون بأمراض مزمنة كالسكري، وأمراض القلب، والرئة، والكلى، والذين يعانون ضعفاً في جهاز المناعة».

إجراءات تحمي الأم والجنين
تعتبر السيدات الحوامل من الفئات المستهدفة للإصابة بالإنفلونزا الموسمية، نتيجة التغييرات التي تؤثر في الجهاز المناعي والقلب والرئتين خلال شهور الحمل، ويمكن أن تتسبب الحالات الشديدة في دخولها المستشفى طوال فترة الحمل وحتى أسبوعين بعد الولادة، وتتمثل الأعراض في الحمى، والالتهاب العام، والسعال، والتهاب الحلق، وسيلان وانسداد الأنف، وآلام الجسم، والصداع، والقشعريرة، ويمكن أن يصاحبها علامات تنفسية بدون ارتفاع درجة حرارة الجسم.

تشدد المؤسسات الصحية على ضرورة حصول المرأة الحامل على لقاح الإنفلونزا بشكل عام، خلال شهري سبتمبر وأكتوبر، ويفضل ضبط موعد أخذ التطعيم في الثلث الثالث من الحمل، لتوفير الحماية اللازمة للأم والجنين، حيث أثبتت الدراسات أن التطعيم يقلل من خطر الإصابة بعدوى الجهاز التنفسي الحادة المرتبطة بالإنفلونزا بنسبة تصل إلى النصف.

ويجب على الحامل تطبيق إجراءات وقاية للحد من انتقال العدوى، وأبرزها: تجنب الأشخاص المرضى، تغطية الفم والأنف عند السعال، وغسل اليدين بالماء والصابون، وتجدر الإشارة إلى أهمية الرضاعة الطبيعية، لكونها تعزز جهاز المناعة وتساعد على حماية الطفل من العدوى.

الخليج