عائشة سلطان
تركيا اليوم هي حديث الساعة، الذين يعرفون في السياسة والذين لا يعرفون والذين يحبون السياحة والذين لا يسافرون، الذين يميلون إلى سياسات أردوغان وعبدالله غول والذين لا يفهمون في هذه الألغاز، الكل يسأل ماذا يحدث في تركيا؟ ربيع متأخر أم مؤامرة مبكرة؟ أطرف الأسئلة التي وجهت إليّ خلال اليومين الماضيين في خضم متابعتي للوضع التركي تلك الصديقة التي تساءلت باحتجاج واضح: فإلى أين نسافر الآن؟ لقد خربوا لنا كل مكان نحبه، حين سألتها أوضحت أنها كانت تقصد وجهات سفرها المفضلة (مصر، لبنان، سوريا..) التي خربتها الثورات سياحياً، ذلك أن كثيراً من أهلنا يفضلونها سياحة عربية أو إسلامية كأفضل الخيارات!!
هل هذا ما خلفته الثورات فعلاً؟ نعم، تلك حقيقة، حتى وإن طمأنك المصريون إذا حدثتهم واستفسرت عن أحوال بلادهم إلى أن كل الأمور على ما يرام، وأن القاهرة (عال العال)، وأن ما نسمعه هنا ليس إلا مبالغات إعلامية لا أكثر، إلا أنهم يعلمون ونحن جميعاً نعلم أن واقعاً مغايراً عما كنا نعرفه قد استقر على الأرض هناك، وأن الأمور لم تعد كما كانت منذ 25 يناير من عام 2011، منذ اختلط الحابل بالنابل وتحولت الثورة إلى مطية ركبها من ركبها وأوصل الأمور إلى ما وصلت إليه! ولكي يعود مزاج المدينة إلى ما كان فإن زمناً طويلاً لابد أن يعبر فوق رؤوس الناس هناك، وتحت جسور القاهرة!
تلك حقيقة، حتى وإن أقنعك اللبنانيون على طريقتهم الخاصة أنه (ما في شي أبداً)، مما يعرض في التلفزيونات وأن (البلد بأحلى حالاته)، على حد تعبيرهم، إلا أنك تعلم وهم يعلمون أن البلد يمارس حياته منذ سنوات على طريقة امرئ القيس يوماً بيوم كمن يمشي على سلك مشدود بين جبلين أو بين بنايتين إحداهما في الضاحية الجنوبية لبيروت والثانية في حي الأشرفية، وأن الوصول للثانية لا يمكن أن يكون من جهة الأولى، البلد ليس في أحلى حالاته مع تطورات مأزق حزب الله، وسقوطه في المستنقع السوري، البلد ليس في أحلى حالاته أبداً، مع ذلك فليس للبنانيين إلا أن يروه هكذا منذ عام 1975!
تلك حقيقة، فما من عاقل يمكنه أن يقول إن لبنان سينجو طويلاً من الفوضى القادمة – برغم ما يعانيه من عثرات – أو يتصور أن سوريا يمكنها أن تعود خياراً سياحياً في السنوات المقبلة، فهذا بلد يتحدث أصحاب القرار الدولي عنه باعتباره بلداً يتفكك كدولة، وينهار كنظام ومؤسسات، ومن ثم سيتحول لبعض الزمن إلى مركز إقليمي للعنف والتفجيرات والقتل، سيعيد حكاية دمار أخرى لا زالت ماثلة تواصل إنتاج الخراب منذ ما يقارب العشر سنوات وأكثر: العراق!
ليتها نظرة تشاؤمية لكنها محاولة لقراءة تجليات الفوضى الخلاقة التي لطالما تحدثوا عنها باعتبارها الصراط الذي على العرب أن يسيروا على حده القاطع ليصلوا إلى جنة الديمقرطية، ولتسل الدماء قدر استطاعتهم أن يدفعوا ويقدموا، فهو طريق آلام حقيقي، طريق مخاض عسير وجهنمي ولكنه اجباري أيضاً، ليس لأجلنا لكنه لأجلهم، أولئك الساهرون على حراسة الصراط وجمع الدماء لرسم الخرائط الجديدة.. لكن مهلاً ما علاقة تركيا بنا؟ آه إنه الشرق الأوسط الجديد!!
– الاتحاد