د.احمد عبد العزيز الحداد
اختُص شهر شعبان بفضائل كثيرة بيّنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحبُّ أن يرفع عملي وأنا صائم». وفي ذلك دلالة على مزيد الفضل في صيامه اتباعاً وتأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم سرّ إكثار الصيام فيه، من أنه شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى، حتى يكون الصوم شافعاً لقبول العمل؛ لأن الصوم من أحب العبادات إلى الله تعالى، ولذلك اختصه بإضافته إليه سبحانه كما في الحديث القدسي «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به». وحُبُّه سبحانه له هو حب للصائم نفسه، ومع أن العبادات كلها له سبحانه، إلا أن للصوم خصوصية لا توجد في غيره، ولذلك كان «خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك»، وهو مع ذلك عبادة سرية مخلَصه لله رب العالمين، وعبادة تعبد الله بها الأولين والآخِرين كما قال سبحانه «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ». فإذا رفع العمل مقروناً بالصوم ومختوماً به كان أدعى للقبول وحصول المأمول.
وفي هذا الشهر الكريم ليلة النصف من شعبان التي فيها «يطَّلع الله إلى خلقه فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن»، والتي ندب فيها النبي صلى الله عليه وسلم أمته أن يقوموا ليلها ويصوموا نهارها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، فيقول: «ألا من مستغفر لي فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا ألا كذا، حتى يطلع الفجر».
وفي هذا الشهر الكريم تحولت القبلة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقلب وجهه في السماء رغبة أن يوجهه الله إلى بيته الحرام قبلة أبيه إبراهيم، وأول بيت وضع في الأرض لعبادة الله تعالى، فسارع ربه لرضاه وقال له: «قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ». وحقُّ هذا التحول أن يكون محل تذكر واعتبار لتعظيم بيت الله الحرام، ومعرفة عظيم منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه سبحانه.
وفي هذا الشهر الكريم عظم الله نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم أيما تعظيم حينما أنزل آية الصلاة والسلام عليه، وهي الصلاة التي ابتدأه بنفسه ليدل على عظيم منزلته عنده، فربُّه ومالكه وخالقه ومرسله يعظمه بذلك؛ فجدير بخلقه من ملائكته وإنسه وجنه وغيرهم أن يصلوا ويسلموا عليه، ومع ذلك فإنه سبحانه لم يكتف بالإخبار عن صلاته لنبيه، بل إنه سبحانه ذيَّل صلاته وصلاة ملائكته بالأمر الجازم لجميع عبده المؤمنين فقال سبحانه: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»، فكانت الصلاة والسلام عليه من أجلِّ الطاعات والقربات لله تعالى؛ لأنها أداء لما فترضه على عباده، وجزءٌ من الوفاء لنبيه عليه الصلاة والسلام، على هدايته لأمته، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ويدرك بها المرء صلاة الله عليه وعظيم منزلته عنده سبحانه، فقد قال صلى الله عليه وسلم «من صلى عليَّ صلاة صلى اللهُ عليه بها عشرا»، بل هي العبادة التي تعطي المصلي عليه أولوية به يوم القيامة كما قال صلى الله عليه وسلم: «إن أولاكم بي يوم القيامة أكثركم علي صلاة في الدنيا».
صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه.
الامارات اليوم