د. فاطمة الصايغ

خلوة المائة مفكر التي جاءت في إعلان الحكومة الاتحادية لعام 2016 عام القراءة, لا شك سوف يكون لها دور مهم في إعداد سيناريوهات المستقبل. وأحد أهم تلك السيناريوهات هو كيفية مواجهة المستقبل والاستعداد الجيد له.

فالقراءة ثقافة ضرورية وهي الطريق إلى الابتكار العلمي والمعرفي والتواصل مع الآخرين. ولكن ليس الأمر بالكمية التي نقرأ بها ولكن بالنوعية لأنها هي التي سوف تحدد لنا ملامح الطريق وهي التي تفتح المدارك أمامنا وهي السبيل إلى مستقبل أكثر وضوحاً.

تركيزنا في هذا العام على القراءة ليس ترفاً بل هو من ضرورات التخطيط الجيد للمستقبل. فخلق جيل واع مدرك لمسؤولياته ومواكب للمتغيرات العالمية لا يمكن تحقيقه إلا بالاطلاع والقراءة التي تضعنا على الطريق لمعرفة آخر المستجدات العالمية. كما أن اللحاق بركب العلم والابتكار لا يمكن تحقيقه إلا إذا كنا واعين لدورنا في ركب الحضارة الإنسانية.

ولهذا تصبح القراءة مفتاح التقدم والرقي لأنها تطلعنا على آخر المبتكرات العلمية وآخر الانتاج المعرفي في العالم شرقه وغربه, ولهذا تصبح القراءة مفتاحنا نحو بوابات التقدم ومواكبة العالم في سعيه الدؤوب نحو إنتاج ثقافي ومعرفي متجدد. ولهذا تأتي خلوة المائة مفكر مناسبة لتلاقح الأفكار والعقول للوصول إلى أفضل السبل لجعل القراءة مفتاحنا للنجاح.

ولكن لماذا اصبح الكثيرون يعزفون عن القراءة في حين تطورت أساليب النشر والطباعة وتوزيع الكتاب وتنوعت أشكاله وأحجامه؟ وهل تعاني كل المطبوعات الورقية ما يعانيه الكتاب أم أن المطبوعات الورقية ليست جميعها في سلة واحدة ؟ وهل سوف يأتي يوم تتوقف فيه الجرائد الورقية مثلا, عن الصدور ؟ وكيف السبيل إلى حماية ذلك الإرث المعرفي الذي رافقنا لقرون طويلة؟

لا شك بأن المتغيرات العصرية قد رمت بظلالها على كل ما حولنا حتى الإرث المعرفي. ففي الوقت الذي حافظ فيه الكتاب على صدارته في إيصال المعرفة في الكثير من البلدان بفضل الخطط والاستراتيجيات التي وضعت, تراجع وضع الكتاب في مناطق أخرى. فمثلا في بلداننا العربية هناك فجوة معرفية بين الأجيال.

فالجيل القديم الذي تعود على القراءة هو جيل واع ومطلع ولديه حس وطني وقومي كما لديه المام كبير بقضايا أمته وعصره.

أما الجيل الجديد الذي لم يتعود على القراءة فلا يعرف حتى الشيء البسيط عن تلك القضايا. كما أنه لا يعرف عن عمالقة الكتاب الذين غيروا المشهد الثقافي العربي. أسباب هذا التردي واضحة. ولا شك بأن عصر الوجبات السريعة والطعام المجهز للاستهلاك أصبحت حالة عامة تنطبق على أشياء كثيرة من حولنا.

فقد اصبح استقاء المعلومة سهلا وسريعا بوجود محركات البحث والتي أصبحت توفر الجهد والعناء وتقدم لنا معلومات مبسطة وسهلة ومعلبة وجاهزة حسب الطلب، الأمر الذي أصبح, بالنسبة للبعض, يغني عن البحث في بطون الكتب والذي يتطلب جهدا وعناء. كما يعزو البعض أسباب عدم اقتناء الكتب إلى ارتفاع ثمن الكتاب في الوقت الذي طال الغلاء كل شيء.

ولكن لماذا القراءة مهمة ؟ ارتبطت بالقراءة الكثير من المهارات الأخرى كالقدرة على التعبير والحصيلة اللغوية ناهيك عن الحصيلة المعرفية ومهارات الكتابة والخطابة. كما أن الشخص القارئ قادر أكثر من غيره عن التعبير عن آرائه وما يجول في خاطره. ونظرة عامة على البعض من شبابنا والذين تعوزهم القراءة نجدهم لا يستطيعون التعبير جيدا عن أفكارهم كما أن حصيلتهم اللغوية فقيرة.

ولكن هل يكفي عام واحد للقراءة لخلق جيل قارئ ومطلع ومواكب لما يجري في العالم من متغيرات؟

بالطبع لا, ولكن نأمل أن نستفيد من هذا العام لغرس ثقافة القراءة وتجذيرها خاصة بين الشباب والذين تعودوا على استقاء المعلومة من الانترنت أو من الوسائل التقنية والرقمية الأخرى. كما نأمل من أن تكلل الجهود والاستراتيجيات الحكومية من تجذير ثقافات قادمة. أياً كان نوعها وذلك لأهميتها في غرس الحس الوطني والاجتماعي الإيجابي في نفوس الأفراد.

إن عام 2016 لا شك في أنه سوف يكون له أثر طويل يمتد لعقود طويلة قادمة. فليس هناك أفضل من صداقة الكتاب الجيد الذي يعطينا معرفة ويدعونا إلى التفكر والتأمل وإيجاد الحلول والمخارج لمختلف مواقف الحياة أو يعرفنا على طرائق تفكير شعوب العالم وكيف تغلبت على مشاكلها.

فالحياة هي سلسلة من التحديات ويجب أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون. وهذا لا يتأتى إلا من خلال المعرفة والعلم الذي هو طريق الإنتاج الفكري والثقافي.
-البيان