يمضي «سوق أبوظبي العالمي»، المركز المالي الدولي والمنطقة المالية الحرة المرتقبة في العاصمة الإماراتية، قدماً نحو إطلاق عملياته قبل حلول نهاية العام الجاري، بحسب ريتشارد تينج، الرئيس التنفيذي لسلطة تنظيم الخدمات المالية في سوق أبوظبي العالمي.

وقال تينج لـ «الاتحاد»، في أول مقابلة صحفية عربية له منذ توليه منصبه الحالي في سوق أبوظبي العالمي «تم وضع الأنظمة التجارية العامة الخاصة بمؤسسات الخدمات غير المالية في يونيو، وانتهينا من مرحلة استشارات السوق المفتوحة حول أنظمة الخدمات المالية والأحكام المتممة لها في مطلع أغسطس».

وساعد ذلك على «إجراء بعض التحسينات والتعديلات الصغيرة، ولكنها لم تغيّر في التوجّه العام» بحسب تينج.
وتم مطلع صيف العام الجاري إقرار وإصدار الأنظمة الخاصة بمؤسسات الخدمات غير المالية التي ستتخذ من سوق أبوظبي العالمي في جزيرة الماريه مقراً لها.

ومنذ انضمامه إلى سوق أبوظبي العالمي، يعمل تينج على رصد ومتابعة مدى إقبال المؤسسات الدولية على السوق الجديد الذي يخطط للتركيز على إدارة الثروات والأصول والخدمات المصرفية الخاصة في المرحلة الأولى، إلى جانب القيام بزيارات إلى أهم المراكز المالية في العالم ما بين نيويورك وسنغافورة. وقال: «أنا على ثقة كبيرة من أن سوق أبوظبي العالمي يشهد اهتماماً واسع النطاق من قبل المؤسسات المالية وغير المالية».

وأوضح تينج «لقد تم تصميم هذه الأنظمة لتشمل المجموعة الكاملة من الخدمات المالية على المدى البعيد، مثل أنظمة السوق وأنشطة الاندماج والاستحواذ وكافة الأنشطة الأخرى التي تقدمها مراكز الخدمات المالية الكاملة، لا سيما وأن كافة الأسس والمقومات الخاصة بذلك جاهزة ومتوفرة».

وأضاف «بمجرد أن يتم إقرار هذه الأنظمة بشكل نهائي سيكون باستطاعتنا إطلاق عمليات السوق. وبات سوق أبوظبي العالمي على وشك إنجاز النسخة النهائية من أنظمة الخدمات المالية، بالتشاور مع الجهات المهتمة في المجتمع المصرفي الإقليمي والدولي. فقد قدم نحو 25 مصرفاً ومؤسسة مالية، بما في ذلك مؤسسات رائدة مثل «بنك أبوظبي الوطني» و«جولدمان ساكس»، آراءهم ومقترحاتهم حول مسودة الأنظمة الجديدة».

وإذا ما سارت الأمور حسب الخطة، سيقوم سوق أبوظبي العالمي بإصدار أول تراخيص المؤسسات المالية كي تبدأ بمزاولة نشاطها انطلاقاً من مقراتها الرسمية في جزيرة الماريه بالعاصمة الإماراتية، بحلول نهاية العام الجاري.
يُعتبر ريتشارد تينج أحد المشاركين الرئيسين في التحضيرات المدروسة بعناية تمهيداً لمباشرة أعمال سوق أبوظبي العالمي بالكامل. فقد تم تعيينه في النصف الأول من العام الجاري في منصب الرئيس التنفيذي لسلطة تنظيم الخدمات المالية التي تعد جزءاً حيوياً من السوق.

ومنذ ذلك الحين، يواصل تينج العمل مع فريق متنامٍ من المسؤولين التنفيذيين رفيعي المستوى تحت قيادة رئيس مجلس الإدارة، أحمد الصايغ، لتطوير «سوق أبوظبي العالمي» لكي يكون جاهزاً لاستقبال أول طلبات التسجيل من شركات مالية في الوقت المحدد ووفق الخطة المتفق عليها.

«لقد تم تحقيق العديد من الإنجازات» يقول تينج، سنغافوري الجنسية ذو الأربعة والأربعين ربيعاً والذي يتمتع بخبرة مهنية طويلة في القطاع المالي على أعلى المستويات كان قد اكتسبها في تلك الجزيرة الصغيرة.

وأضاف «بمجرد أن يتم إقرار هذه الأنظمة بشكل نهائي، فإن الأنظمة والأحكام المتممة لها والهيكل التنظيمي بالكامل، ستصبح سارية المفعول، وسنكون جاهزين لاستقبال الطلبات. جميع الإجراءات التي تتيح للمؤسسات تقديم الطلبات ستكون جاهزة أيضاً. وأعتقد أننا سنكون قادرين على استقطاب المؤسسات حالما تكتمل تلك العملية. وأنا على ثقة كبيرة من أن سوق أبوظبي العالمي يشهد اهتماماً واسع النطاق».

وعن دور السوق الجديد في تحقيق طموحات أبوظبي، قال «المبدأ العام الذي يقوم عليه سوق أبوظبي العالمي يتلخص في دعم الخطة الاستراتيجية لـ «رؤية أبوظبي »، وفي ضوء ذلك تبيّن أن هناك حاجة إلى المزيد من الخدمات المالية. فالهدف هو دعم نمو القطاع غير النفطي لا سيما الخدمات المالية».

وعلى المستوى العالمي، فإن الهدف هو إقامة مركز مالي دولي جديد يركز في البداية على إدارة الأصول والخدمات المصرفية الخاصة، للاستفادة من الميزة الجغرافية التي تتمتع بها دولة الإمارات كونها تقع في مركز الأسواق الأسرع نمواً في العالم، وأيضاً لمنافسة المراكز المالية في أوروبا وآسيا.

وأوضح تينج: «سيكون لسوق أبوظبي العالمي حضورٌ دوليٌ واسع، لقد سافرنا إلى لندن ونيويورك وسنغافورة والهند والصين وكذلك إلى القارة الأوروبية ودول الخليج العربي أيضاً للاستفادة من تجارب غيرنا، وناقشنا مع المؤسسات أبرز المتطلبات التي تحتاجها لكي تتمكن من مزاولة نشاطاتها في بيئة أعمال محفزة للنمو وداعمة للنجاح. كما تحدثنا مع المسؤولين في مركز دبي المالي العالمي وغيره من المؤسسات المالية في دولة الإمارات مثل المصرف المركزي وهيئة الأوراق المالية والسلع».

ويأتي إطلاق «سوق أبوظبي العالمي» في وقت تشهد فيه الساحة المالية العالمية تحولات كبيرة. فشركات إدارة الثروات والخدمات المالية الخاصة بدأت تنجذب نحو الشرق، وتحديداً إلى مراكز حيوية جديدة في هونج كونج وسنغافورة، وذلك بسبب الضغوط التنظيمية في أميركا وأوروبا من جهة، والنمو الديناميكي للاقتصادات الآسيوية من جهة أخرى.

ويمثل تعيين تينج والدور المحوري الذي يقوم به على صعيد العمليات التحضيرية لإطلاق السوق، مؤشراً قوياً على إدراك صانعي السياسات في أبوظبي لأهمية الإطار التنظيمي في سوق أبوظبي العالمي، الأمر الذي يعكس المبادئ التقليدية الراسخة في أبوظبي، بما في ذلك مبدأ القوة المالية والإدارة الحريصة.

ويشدد تينج على السمة العالمية التي سيتمتع بها سوق أبوظبي العالمي قائلاً: «سنعزز ثقة المؤسسات من خلال بناء علاقات دولية مع المراكز المالية العالمية الأخرى. فالعلاقات الدولية الوثيقة مهمة جداً بالنسبة لنا ونحن نعمل حالياً على إبرام عدد من مذكرات التفاهم المبدئية مع هيئات تنظيمية دولية».

وأضاف «لقد عقدنا لقاءات مع مؤسسات مالية وهيئات تنظيمية أميركية. وهناك عدد كبير من الشخصيات الأميركية في لجنة الخبراء، وهم يشاركون بشكل جدي فيها. وأعتقد أنهم سوف يعبّرون عن آرائهم بكل صراحة ويتخذون القرار الذي يرونه مناسباً لهم بطريقتهم الخاصة».

وبكافة الأحول، يرى تينج أن «سوق أبوظبي العالمي» سيواصل نموه انطلاقاً من قوة خدماته التي يوفرها لقطاع الأعمال، وقال «أنا لا أؤمن بتقديم مراجحة تنظيمية على المستوى العالمي. فالنموذجان السويسري والسنغافوري مصممان لتوليد الثروات، كل في منطقته، وليس لافتراس الأعمال في بقية أنحاء العالم، وهذا ينطبق أيضاً على سوق أبوظبي العالمي».

قد تكون الاتفاقيات الدولية مهمة على الصعيد التنظيمي، ولكن سوق أبوظبي العالمي يسعى إلى استقطاب الأعمال في منطقة تشهد تنافسية متنامية وتضم منافسين محصنين بشكل جيد من بينهم «مركز دبي المالي العالمي». وقال تينج «لا أعتقد أننا سنواجه مشكلة منافسة مع دبي، حيث يوجد ما يكفي ويزيد من المؤسسات المالية وغير المالية الباحثة عن بيئة أعمال من هذا النوع. فعلى سبيل المثال لقد اعتقد مجتمع الأعمال أن سنغافورة ستسحب المؤسسات من هونج كونج، ولكن ذلك لم يحصل، بل ساهمتا سوياً في نمو الأسواق الآسيوية. لقد ساهمت سنغافورة في ربط اقتصادات جنوب شرق آسيا ببعضها. ما نلاحظه الآن هو وجود نزعة إلى استثمار الثروات بالقرب من المكان التي تم توليدها فيه»، بحسب تينج.

ويرى تينج أن هناك دروساً في سنغافورة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، لا سيما وأن قطاع إدارة الأصول والثروات فيها قد نما بمقدار خمسة أضعاف خلال عقدين، والظروف مواتية لتحقيق مثل هذا النمو في أبوظبي.

يجري في الوقت الراهن وضع اللمسات الأخيرة لهيكل «سوق أبوظبي العالمي». وسيتضمن السوق، بحسب وصف تينج، على ثلاث سلطات مستقلة، هي سلطة تنظيم الخدمات المالية، وسلطة التسجيل، ومحاكم سوق أبوظبي العالمي. ولقد تم الإعلان عن تعيين اللورد ديفيد هوب رئيساً لمحاكم سوق أبوظبي الأسبوع الماضي، وستتمثل مسؤوليته في إنشاء آلية التحكيم التي تُعتبر أساسية في أي مركز مالي حديث. واختتم السيد تينج قائلاً: «لقد أرسينا في سنغافورة ثقافة لا نقول إنها انضباطية، ولكنها صارمة وفي الوقت نفسه متفهمة لاحتياجات المجتمع المالي. ومثل هذه الثقافة يجب أن تكون متماسكة وموثوقة ومتناسبة ولذلك اعتمد منهج النظام المرن».

الاتحاد