د.احمد عبد العزيز الحداد

ما أجمل أن يسمع الإنسان هذين اللفظين! فإنهما محبوبان سماعاً كمحبتهما فؤاداً؛ لأنهما يعنيان أن يعيش المرء محبوباً محِباً؛ يعيش مع غيره كعيشه مع نفسه، ومع مجتمعه وهو يرى أنه هو المجتمع، فهو سعيد بغيره، ويرى كل شيء بعين الرضا، فلا تجد الأنانية إلى نفسه وفؤاده سبيلاً، فهو كريم الطبع والسجايا، آلفاً مألوفاً.

هذا ما تعنيه هاتان الكلمتان المحبوبتان، ومع ذلك فلم يَدُر في خَلَد أحد منا أن تترجما إلى وزارتين تحملان ثقل هذه المعاني الكريمة التي هي بغية كل إنسان على وجه البسيطة، لكنَّ الإمارات التي عودت الجميع التصدر لكل جميل، والسبق لكل معنى فضيل؛ أذهلت العالم بسبقها هذا؛ لتقول للعالم أجمع: إنها معنية بهذه المعاني لشعبها وقاطني أرضها، فشكلت لها وزارات تُعنى بترجمتها إلى المتوقع فوق ما هو واقع.

السعادة هي همُّ الحياة، فالكل يسعى إليها بطريقته التي يرى بها إمكانية الوصول إليها، فكان لابد من مساعدة الساعي لها حتى يحصِّلها من أقصر طريق، ولا يدل عليها إلا وزير يعرف معنى السعادة المنشودة، فيضع لها البرامج الدالة، والمناهج المعرفية الكافية، ويسن لها القوانين الضابطة، حتى يتحقق المنشود، ويُدرك المقصود، فليس كل إنسان يدرك مراده من هذه السعادة وحيداً؛ لقصوره في جانب أو جوانب، فتكون هذه الوزارة خير معين لإدراك السعادة للفرد والمجتمع.

والتسامح غاية شرعية ومقصد إسلامي عظيم؛ فالإسلام يقوم على مبدأ التسامح مع الغير لتحقيق التعايش المشترك الذي جُعل من غايات الخِلقة البشرية، كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}، وقد كان النبي صلى الله عليه يعيش هذا المعنى مع غيره كما وجهه الله تعالى من كمال العفو، والإعراض عن الجاهلين، وغض الطرف عن مساوئ الآخرين، وأخذهم بالرحمة واللين، والعطف على الفقراء والمساكين… لأن الكل عبيدٌ لله رب العالمين، ولذلك لما أراد إبراهيم عليه السلام أن يقصر رزق الله تعالى على من آمن فقط قال الله تعالى له: {وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}، ولما أراد الأعرابي أن يقصر رحمة الله تعالى عليه وعلى النبي، لم يرضَ منه النبي صلى الله عليه وسلم، بل قال له: «لقد حجّرت واسعاً»، لذلك كان متسامحاً مع المسلم وغيره، فما كان ينتقم لنفسه، ولا يغضب لها إلا أن تنتهك محارم الله، ويعامل غيره كما يحب أن يعامل؛ سمحاً في بيعه وشرائه، سمحاً في تعامله مع غير المسلمين كسماحته مع المسلمين، فعايشهم بكامل الحقوق وحرية التدين، وتعامل معهم بيعاً وشراء وقرضاً وقضاء وحسن جوار، ومكنهم من إقامة شعائرهم في مسجده الشريف، وعامل المنافقين بغض الطرف، وهم الذين يبيتون كل سوء له ولأمته ودولته، وعامل الأعراب الأجلاف الذين قد يسيئون إليه إساءة مباشرة بما يجعلهم يذعنون بالولاء والمحبة، وأكبر من ذلك أنه إذا ظهر في الحرب عفا وصفح، وقال لمن هم في حكم الأسرى: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» إلى غير ذلك من مواقف مشهودة هي حجة على أمته إن لم تأخذ بها، لأنها كلها تشريع.

وهذه المعاني غابت لدى كثير من أمته، فتحتاج إلى من يظهرها في التطبيق العملي على سبيل التنظيم والتقنين، فإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، فكانت هذه الوزارة الوليدة التي سيكون لها الأثر الكبير في إظهار صورة الإسلام السمحة، فنسأل الله أن يجزي شيوخنا الأكارم خير ما جازى راعياً عن رعيته.

الامارات اليوم