أطلق سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد، قبل عام من الآن، مبادرة صحية تهدف إلى نشر الوعي الصحي بصحة الفم والأسنان أولاً، وثانياً لعلاج أمراض الأسنان التي تعانيها شريحة العُمال تحديداً، على اعتبار أن شركات التأمين لا تغطي أمراض الأسنان لهذه الشريحة، نظراً إلى ارتفاع أسعار العلاج فيها، وعدم استطاعة هذه الفئة تحمل سعر العلاج، فتحمّل سموه مشكوراً تكاليف الفحص الأولي والعلاج لأكثر من 2000 عامل على نفقة سموه الخاصة، وذلك تقديراً من سموه لهذه الفئة، وحباً منه لفعل الخير والإسهام في خدمة المجتمع.
هذا ليس بغريب أبداً على سمو الشيخ حمدان بن محمد، فما يفعله سموه سراً هو أكثر بكثير مما يتم الإعلان عنه، لكن الغريب غياب الإسهام والمشاركة المجتمعية لمعظم وأغلب شركات القطاع الخاص في الدولة، ولو أخذنا مبادرة حمدان بن محمد لصحة الفم والأسنان لدى العُمال نموذجاً بسيطاً، لوجدنا مؤشرات عدة تؤكد عدم جدية معظم القطاع الخاص وشركاته في المشاركة لخدمة المجتمع، أو الإسهام في المبادرات الإنسانية والخيرية التي يتم إطلاقها بين فترة وأخرى.
مع أن المبادرة الصحية كانت تمس وتفيد بشكل واضح شركات المقاولات والشركات الإنشائية بشكل مباشر، فهؤلاء العمال يعملون لدى هذه الشركات، والمبادرة منحتهم الفرصة لتلقي عناية صحية لأسنان عُمالهم وبشكل مجاني، ومع أن تكاليف علاج الأسنان مكلفة ومرتفعة، إلا أن التجاوب كان دون المستوى المطلوب، وبشكل غريب حقاً، للدرجة التي كان فيها المنظمون يترجون أحياناً الشركات من أجل السماح بخروج عشرين عاملاً، أو أقل، لمدة ساعتين إلى المستشفى لإجراء الفحوص!
هل يتصور أحد ذلك؟! لم تُشارك أي شركة من شركات المقاولات الكبرى في المبادرة، ولم تُعلن أي شركة منها إسهامها في إجراء فحوص لعمالها أو علاجهم على نفقة الشركة دعماً للمبادرة، بل إن بعض الشركات رفضت حتى السماح للعمال بالذهاب إلى الفحص المجاني، فهل هناك ما هو أسوأ من ذلك؟!
هُناك شركات تعاونت، حتى لا نهضم حقوق أحد، لكن تعاونها اشتمل فقط على ضمان وصول العمال في الوقت المناسب إلى مكان الفحص، ومن ثم ضمان إرسالهم مرة أخرى في وقت العلاج أو المراجعة، لا أكثر من ذلك أو أقل، هذا كل ما في الأمر، ومع ذلك لها كل الشكر والتقدير على ذلك.
مبادرة إنسانية وحضارية راقية، مثل هذه المبادرة، كانت تستحق مشاركة أشمل وأوسع من القطاع الخاص، صحيح أن سمو الشيخ حمدان لم يطلب من شركات القطاع الخاص ذلك، وتحمل بمفرده تكاليف المرحلة الأولى منها، بل إنه طلب تطويرها لتشمل فحص وعلاج ضعف عدد العمال في مرحلتها الثانية لهذا العام، ليصل العدد الإجمالي إلى أربعة آلاف، إلا أنه كان يفترض من القطاع الخاص أن يسهم وبفاعلية في هذه المبادرة، فيدعمها ويتحمل جزءاً من نفقاتها، ويدخل شريكاً أساسياً فيها.
ليس فقط شركات المقاولات، فالباب كان مفتوحاً أمام المستشفيات والعيادات الخاصة الكبيرة، للمشاركة في فحص وعلاج عدد من العمال، وأيضاً شركات التأمين الصحي، في تحمل نفقة علاج عدد آخر منهم، وجميع الشركات الخاصة التي لها علاقة مباشرة وغير مباشرة في تحصيل وجني أرباح من القطاع الصحي أو الإنشائي، كان يفترض أن ترد جانباً من جَميل الدولة عليها، بالمشاركة في مثل هذه المبادرات المجتمعية الإنسانية، لكن بالفعل لا حياة لمن تنادي!
الامارات اليوم