د. فاطمة الصايغ
هل ما تشهده الساحة النسوية في الإمارات من مشاركة سياسية فاعلة للمرأة، هو حقاً ما تنشده المرأة الإماراتية وتستحقه، هل الإمارات هي الدولة الوحيدة التي يوجد بها ذلك التمكين النسوي المدروس، أم أن دولة الإمارات استشرفت المستقبل، ورأت أن تمكين المرأة ضرورة وطنية قبل أن يكون ضرورة مدنية؟
هل يعوض هذا التمكين المرأة عن المطالبة بالمساواة التامة في الحقوق والواجبات مع الرجل أم أن ذلك الجدل النسوي- الذكوري لن ينهيه هذا التمكين؟
تاريخياً كان للمرأة الإماراتية، كنظيرتها الخليجية، دور فعال في المجتمع، ففي مرحلة ما قبل النفط أدارت بنجاح شؤون أسرتها الصغيرة واقتصادات بيتها عند غياب الرجل لشهور في مجالات الرزق في البحر، وبعد النفط ولجت المرأة الإماراتية مدارس التعليم النظامي، والتحقت بالحياة العامة، وشغلت العديد من الوظائف، كما ولجت في حقب لاحقة مختلف المجالات الاقتصادية والإدارية والثقافية حتى أصبحت المرأة تتبوأ مكانة متميزة في الحياة العامة.
ولكن دولة الإمارات كدول الخليج الأخرى أيضاً لم تشرك المرأة في الحياة السياسية نظراً ربما لظروف المجتمع أو ربما لحداثة تجربة المرأة في هذا المجال، ففي بداية السبعينيات عندما أسست الدولة المجلس الوطني كان ذلك المجلس ذكورياً فقط، ولمدة أربعة عقود ظل الرجل هو المهيمن على ذلك المجلس، وعلى الرغم من أن حال المرأة في دولة الإمارات أفضل من حال نظيراتها في دول الجوار، إلا أن وضعها في الفضاء العام لم يرق إلى مستوى مساهمتها المجتمعية، وهذا الوضع سرعان ما تغير، فدولة الإمارات سباقة إلى تبنى المبادرات التي تهدف إلى خدمة المجتمع وتلبي طموحاته، فكانت بذلك من أوائل دول الخليج الساعية إلى تمكين المرأة وإشراكها في صنع القرار الحياتي، كما أن إشراكها في صنع القرار لا يعنى فقط إلغاء تفرد الرجل، ولكن أيضاً معرفة وجهة نظر الطرف الآخر وكيفية معالجته ورؤيته للأمور، وهكذا كانت الإمارات ليست فقط سباقة في إسناد منصب وزراي للمرأة، ولكن في إشراك المرأة في الحياة السياسية كونها ناخبة ومرشحة وتمكينها تمكيناً تاماً، فعندما بدأت تجربة المرأة السياسية الأولى في عام 2006 كانت تجربة مميزة، فعلى الرغم من حداثة تجربتها السياسية إلا أنها دخلت في هذا المجال غير متهيبة أو خائفة، وعلى الرغم من أنها لم تحرز نجاحاً ملحوظاً في أول تجربة سياسية لها إلا أن دعم القيادة السياسية لها واستخدام حق التعيين في المجلس الوطني دعم من عملية تمكين المرأة السياسي جاعلاً من المرأة الإماراتية أنموذجاً متميزاً على مستوى دول المنطقة، وفي عام 2011 كانت التجربة البرلمانية الثانية للمرأة، وعلى الرغم من التجربة التراكمية التي حصلت عليها المرأة إلا أنها أيضاً لم تحصل على ما كانت تنظره من استحقاق، ولهذا جاء الدعم السياسي من قبل القيادة السياسية لتضعها في المكانة اللائقة التي تتطلع لها.
ولكن الدعم الحقيقي والاعتراف الكبير جاء من قبل القيادة السياسية في صورتين الأولى في صورة مجلس التوازن بين الجنسين، الذي يهدف إلى إزالة كل أشكال التميز ضد المرأة، والثانية في صورة الدعم الكبير لتمكين المرأة لتولي المناصب القيادية الكبرى، الذي شهدته الدولة مؤخراً، ففي التغيير الوزاري الأخير الذي شهدته دولة الإمارات في العام 2016، ظهر هذا التمكين في صورتين: الأولى في زيادة أعداد النساء اللاتي تقلدن مناصب وزارية حيث زاد عددهن من 4 إلى 8 وزيرات، والثانية في نسبة زيادة تمكين المرأة في المناصب القيادية العليا، ولكن تمكين المرأة في الإمارات مضى خطوة أكبر بتولي سيدة رئاسة المجلس الوطني الاتحادي، وهي خطوة إن دلت على شيء فإنما تدل على مدى الالتزام والاهتمام الذي توليه القيادة السياسية لتمكين المرأة.
إن تمكين المرأة في الإمـــارات أصبح واقعاً يعكس ليس فقط مدى وعي القيادة السياسية بقضايا المرأة، ولكن مدى وعي المرأة نفسها والتزامها بالمـــشاركة الفاعلة في المعترك السياسي.
– البيان