د. فاطمة الصايغ

منذ أن ظهرت دولـــة الإمارات على المــسرح العالمي وهناك الكثير من الاهتمام بـــها من قبل المراقبين والباحثين والاكاديميين.

بعض من كتاباتهم تدعي العلم بمجريات الامور في الدولة وتدعي الانصاف والحيادية، والبعض الآخر يقر بأنه طارئ على المنطــقة وبأنه يكتب عنها حتى يستجلي بعض الامور، والبعــض الثالث يكتب عنها رغبة في منفعة، إما علمية، كطلاب العلم ومن في شاكلتهم، واما اعلامية. بعض من تلك الكتابات تقدم الحقائق العلمية والتاريخية للعالم، والبعض الآخر يقع في أخطاء كبيرة ويجر الآخرين الى تكرار اخطائهم.

فليس سهلا على الآخر الذي لم يعش في هذه المنطقة ولا يعرف تطورها التاريخي والاجتماعي أن يحلل الاوضاع الراهنة تحليلا منطقيا وأن يقدم الصورة الصحيحة عن الاوضاع في المنطقة. ومن هنا تأتي الاخطاء التي يرتكبها الآخرون في حق تاريخنا وتراثنا.

تختلف أهداف من يكتب عن تاريخنا وتراثنا من شخص الى آخر: البعض يكتب رغبة في منفعة علمية لتعريف الآخرين بتراثنا وتاريخنا، والبعض الآخر يكتب لإمتاع الآخرين أو رغبة في سبق صحفي، والبعض الثالث يكتب تجنيا وبهتانا رغبة في مصلحة مادية آنية وشهرة تأتيه من وراء اخبار مضللة وادعاءات زائفة.

ولم تقتصر الكتابة عن الإمارات على الكتاب والمؤرخين المحليين. فمثل أي حقل من حقول العلم والادب فدراسة المنطقة حق مشروع للجميع وليس مقتصرا على الاماراتيين فقط، وبالتالي ليس من حقنا ولا في مقدرتنا منع أحد من الكتابة عن الإمارات.

فيوميا هناك دراسة تظهر عن الإمارات إما على شكل أطروحة علمية أو دراسة اجتماعية أو اقتصادية او ثقافية أو اعلامية. بل إن اول من خاض وتبحر وتعمق في دراسات الإمارات كانوا في الواقع من غير الاماراتيين بحكم التعليم والدراسة التي كانت وسيلتهم للاطلاع على المنطقة.

ولكن ما يمكن أن يلحق الضرر بنا ليس فقط الكتابة السلبية عن الدولة وتطوراتها الآنية بل الكتــــابة التاريخية المغلوطة والتي يأتي فيـــها ذكر الاسماء والمواقع والاحداث بطريقة مشوهة وفي غير محلها ويكون التحليل بالتالي تحليلا غير مطابق للواقع وليس لـه علاقة بتاريخنا. ولكن من الذي يستطيع أن يكتشف تلك الاخـــطاء؟ وكيف يمكن معالجتها؟

في الواقع الكثير من الاخطاء تمر على الانسان العادي دون أن يلاحظها أو يدرك حجمها. فبعض الاخطاء التاريخية لا تلاحظها الا عين خبير ملم بأمور المنطقة ومتعمق في دراسة تاريخها وتراثها وحريص على مصداقية أي معلومة تصدر عن منطقتنا. كما أن مـــعالجة تلك الاخطاء التي ترتكب بحق تاريخنا وتراثنا وتشوه صورتهما ليست بالأمر الهين.

فليس هناك جهة رسمية مخولة بفحص أي انتاج علمي عن الدولة لكي تكون تلك الجهة بمثابة لجنة إشرافية وتدقيقية على العمل التاريخي حتى تضمن أن يكون ذاك العمل خاليا من أي أخطاء تشوه تاريخنا. فحجم الاعمال الادبية والعلمية التي تكتب عن الدولة كبير لا يمكن حصره أو تقييده.

فتقييد الاعمال الثقافية وحصرها لا يمكن أن يصبح حقيقة واقعة في وقتنا هذا والذي يتميز فضاؤه بالانفتاح وتلعب التقانة الحديثة ووسائل التواصل والاتصال دورا حيويا فيه.

وكما أننا لا نستطيع تقييد الفضـــاء العام فإننا في واقع الامر لا نستطيع التحكم فيمن يرتكب الاخطاء أو يتعمد نشر المعلومات المضللة. فبعض من هذه الاخطاء من الصعب تداركها أو معالجتها خاصة تلك التي تنشر في أدبيات خارج الدولة وحتى أيضا داخل نطاق الإمارات.

فبعض الاخطاء تصبح أخطاء كبرى خاصة عندما يرتكبها مؤرخ أو كاتب مشهور له متابعون وقراء يصدقون كل كلمة تصدر عنه. ولكن في مقــــدورنا التحكم في حجم الاخطاء لا في منعها. ففي امكاننا أن نعتمد لجنة علمية محايدة للنظر في أي منشور يخص الدولة، وخاصة المؤلفات التاريخية حتى تصبح هي المعتمدة كما يجري في الدول الاخرى.

إن أفضل الحلول وابسطها يكمن في إيلاء الثقة بالمؤرخ والكاتب المحلي أو العالمي، الذي عرف بالمصداقية والحياد والمعرفة العلمية الحقيقية بالمنطقة. ذلك الكاتب هو من يحق له أن يعرف نفسه بأنه خبير بأمور المنطقة أما ما عداه فلا يخرج عن نطاق من اتخذ من الكتابة وسيلة للاسترزاق.

البيان