د. فاطمة الصايغ

الاستقرار السياسي قضية حيوية في رخاء المجتمعات وغيابها يؤثر على كل فئات المجتمع. ولكن اثبتت الاحداث الراهنة أن الشباب هم الاكثر تأثرا وتضررا من غياب الاستقرار.
فكيف يؤثر فقدان الاستقرار على الشباب تحديدا؟ كيف تؤدي الاضطرابات السياسية في تشكيل اتجاهاتهم الفكرية وثقافتهم السياسية ونظرتهم للمستقبل؟ كيف تؤثر التجاذبات الأيديولوجية والصراعات الطائفية الدائرة في مجتمعاتهم في رسم عقيدتهم الأيديولوجية وتقبلهم للأفكار الجديدة وخاصة الاصولية؟ وكيف تؤثر الاحداث الجارية من حروب وارهاب وبطالة على مستقبل الاجيال القادمة في ظل التخبط التنموي لبعض الحكومات؟
اسئلة كثيرة تدور في اذهاننا ونحن نراقب ما يجري في منطقة الشرق الاوسط من عمليات ارهابية دموية وحروب عاتية وهجرة قسرية وحركة لجوء الى الخارج معظم ابطالها من الشباب.
بالإضافة الى ذلك فما يجري في عالمنا المعاصر من توترات سياسية وتقلبات اقتصادية واحداث سريعة متلاحقة يجعلنا نفكر في مصير الملايين من الشباب ومن الاطفال الذين سوف يتأثرون مستقبلا بهذه الاحداث سواء من جراء نتائج الحروب القادمة أو من آثار الارهاب الدموي الذي يضرب في كل مكان وما ينتج عن كل ذلك من عدم استقرار كوني سوف يخلف وراءه متغيرات جذرية تترك وراءها افرازات اجتماعية وفكرية ونفسية كبيرة. إنها حقا حرب كونية كبرى ولكن من منظور غير عسكري. لم تكن بداية الالفية الثالثة بداية مبشرة بالنسبة للكثيرين.

فقد حدثت في مطلعها هجمات ارهابية طالت اقوى وأعتى دولة في العالم وبدا من الواضح أن تلك الهجمات سوف تخلف وراءها آثارا بعيدة المدى. فعلى إثر تلك الهجمات اندلعت حربان في افغانستان والعراق، كانت مبرراتهما الظاهرة محاربة الإرهاب، ولكن مبرراتهما الخفية هي التمدد والاستعمار الجديد.

وعلى الرغم من غموض الاسباب الحقيقية لتلك الحروب الا أنها حققت هدفا واحدا مؤكدا الا وهو تفجير مكامن الارهاب واعطاؤه فرصة لكي يتمدد خارج حدود المكان والزمان الذي بدأ منه.
وفي تلك الحروب والتي راح ضحيتها آلاف من الشباب وهدمت بنى تحتية للدول المتأثرة بالحرب وتهاوت اقتصاديات عديدة كنتيجة لعدم الاستقرار يبدو أن الشباب هم من دفعوا الثمن سواء كوقود لتلك الحروب أو كوسائل لنشر أو تنفيذ عقيدة الارهاب.
ومن المهم استقراء تلك الحالة سواء اقليميا أو عالميا حتى يتم تدارك تبعاتها وخاصة تأثيرها على مستقبل الاجيال القادمة. فالكثير من الدول تستعد مسبقا بوضع الخطط والبرامج التي يمكنها من مواجهة المنعطفات الحادة في تاريخها. ففي بريطانيا مثلا تعمل الدراسات الجادة لدراسة تبعات الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي، فيما لو حدث، وآثاره على الشباب سواء من ناحية نوعية التعليم أو فرص العمل المتاحة في حالة حدوث أي تبعات ينتج عنها حالة من عدم الاستقرار خاصة الاقتصادي والتي يمكن أن تواجه كلا من بريطانيا من ناحية والاتحاد الاوروبي من ناحية أخرى.
والحري بنا أن نقوم من الآن بعمل الدراسات اللازمة لدراسة تبعات حالة عدم الاستقرار المحيط بنا والتي تؤثر على الشباب سواء من ناحية تجنيدهم لخدمة اجندات أيديولوجية معينة أو التأثير على مستقبل مجتمعاتهم وخططها التنموية.
نحن بحاجة لدراسات اجتماعية جادة تتغلغل الى عمق جذور تلك المشكلة وايجاد الحلول الناجعة لها. فلا يمكن أن نركن الى محاربة الارهاب معتمدين على محاربة التطرف السياسي فقط. بل إن التوعية ونشر قيم التسامح خاصة بين الشباب وتوعيتهم بقبول التنوع والاختلاف هو وسيلة مهمة. فالغاية هي حماية المجتمع من أي تيار فكري يؤدي في النهاية الى إثارة القلاقل ونشر حالة من عدم الاستقرار التي تؤثر على كل من يقطن في المجتمع.
إن حالة عدم الاستقرار ينتج عنها ليس فقط فراغ فكري يؤثر على الشباب بل فراغ مجتمعي يؤثر على خطط الدولة وبرامجها المستقبلية وخططها للتعاطي مع المستقبل. فعدم الاستقرار يؤدي الى تخلخل بين طبقات المجتمع ووقوع الشباب ضحية سهلة للتيارات التي تنتهز فرصة عدم الاستقرار لتحقيق أغراضها. وهكذا يقع الشباب ضحية سهلة لمن يستغلهم لتنفيذ اجندات أيديولوجية بما فيها تنفيذ عمليات ارهابية أو نشر الآراء الهدامة بين نظرائهم من الشباب.
فحماس الشباب وسهولة التغلغل الى عقولهم والاغراءات الكثيرة المقدمة لهم سواء من الناحية الروحية والعقائدية أو من ناحية الاجتماعية والاقتصادية تجعلهم فريسة سهلة للتجنيد الفكري. وتؤثر حالة عدم الاستقرار على خطط الدولة التنموية فينتج عنها تأخر في الانجاز وبالتالي تأخر في حصد النتائج. إن مجتمعاتنا يجب أن تكون واعية لقضية عدم الاستقرار وإفرازاته حتى يمكنها تجنب نتائجه الوخيمة.

البيان