عائشة سلطان

ما من صورة تأتي من سوريا أو العراق أو اليمن أو ليبيا، وما من مقطع يصور حوادث الغرق والفقد التي يتعرض لها اللاجئون، ما من قصة أو خبر يحكي مآسي التشرد والهروب. إلا وتحضر تلك الأوهام الكبرى التي صدرها الغرب لنا باعتبارها أطواق النجاة، الاشتراكية، الديمقراطية، حقوق الإنسان، الحريات الشخصية..

وتكر المسبحة ولا تنتهي من ذكر المقولات العظيمة والسرديات الكبرى، لكن ماذا كانت النتيجة؟ هل صار الوطن العربي اشتراكياً وديمقراطياً وحراً ومتقدماً فعلاً وكما حاولوا إقناع مواطنيه ليبرروا هذا الخراب الحاصل؟

الأوهام لا تبني الواقع ولا المستقبل، لكن الأفكار قد تبني مستقبلاً أفضل فقط إذا قرر أبناء بلد ما أن يوظفوا تلك الأفكار لصالح بلدانهم وفق ما يلائم واقعهم وهويتهم وثقافتهم، أما أن تصدر لهم الأحلام جاهزة عبر أجهزة المخابرات، مدعومة بالخطط والأجندات والأسلحة ووعود التدريب، فمن المؤكد أنه لا حلم سيكون ولا تغيير لصالح هؤلاء المغفلين سيحدث، الذي سيحدث أنهم سيفيقون من الحلم ليجدوا أيديهم تقبض على الخراب والتشرد والصراخ وأصوات القنابل، ولا شيء آخر !

قلنا مراراً إن الغرب متطور، والولايات المتحدة تحقق إعجازات تقنية، وألمانيا أسطورة في الاتقان، هؤلاء وغيرهم بنوا حضارات وفق قيم خاصة استلهموها من الفكر والفلسفة التي ينتمون لها، مستفيدين من ثورات وأفكار كبيرة ومفكرين عظام وحروب عالمية، وهم حين حولوا هذا المزيج إلى صناعات متطورة ومجتمعات صناعية متقدمة أصبحوا يبحثون عن أسواق كبيرة وواسعة وغنية تعاني فقراً في الصناعات وكثرة في البشر واحتياجاً للسلع، واستعداداً لدفع الثمن، ومن سوء الطالع الحضاري أن كنا نحن الأسواق.

علينا أن نعي أننا مجرد أسواق، يبيعوننا نتاج مصانعهم لا أكثر، لن يبيعوننا قيماً ولا معادلات ولا أسراراً ولا خلطات سرية لإنتاج الحضارة، بل على العكس تماماً، إذا كان من صالحهم تجزئة الأسواق وتقسيمها سيفعلون وإذا كان من مصلحة المصانع تدمير الأسواق سيدمرونها ليبنوا على أنقاضها أسواقاً أخرى وفق ترتيبات جديدة مغايرة !

هذه الدعوات التي لا تتوقف حول منح الديمقراطية للعالم العربي هي واحدة من أكبر كذبات الغرب والولايات المتحدة، ومعها كذبة حقوق الإنسان وعمالة الأطفال وأوضاع النساء، وغيرها من المقولات التي لو فتح العاقل سجلاتها ودفاترها في الغرب لوجد ما يندى له الجبين، فحتى اليوم لم توقع الولايات المتحدة على اتفاقية حقوق الطفل، وحتى اللحظة لازالت الأجور متفاوتة بين الرجال والنساء، وحتى اللحظة لازالت أميركا تحتل العراق ويقع في رصيدها ملايين الضحايا من الهنود الحمر والفيتناميين والعراقيين والأفغانيين، فأين الديمقراطية التي صدروها لنا لنخرب بها أوطاناً كانت آمنة مستقرة ترقد على خزائن من الحضارة والتاريخ ؟

العيب ليس في الديمقراطية، لكن الديمقراطية لا تستورد ولا تصدر، وكذلك الحرية والحق والكرامة !

البيان