عائشة سلطان

مثلما هناك كاتب حقيقي فهناك كاتب فاشل، وقد يحدث أن يصاب كاتب مبتدئ بالغرور بعد أول مقال تنشره له صحيفة عادية جداً، يقرؤها عدد بسيط من الناس، منهم 10 قراء ألقوا نظرة سريعة على مقاله، 8 منهم أصدقاؤه وأقرباؤه، لا بأس فبعض الناس لديهم هاجس الشهرة وحين يسمعون أحداً يناديهم يتخيلون أنفسهم يؤدون القسم الرسمي تحت قبة البرلمان، لكن ماذا عن شخص كل رأسماله الإبداعي كتاب واحد وعمره في الكتابة سنتان يجلس واضعاً ساقاً على ساق لينظر في الأدب، ويتحدث عن مشروعه الثقافي، ويعد بأعمال روائية كثيرة قادمة؟
لا تفكروا فيمن يكون هذا الشخص، إنه مجرد تصور كاريكاتيري أو تخيلي، جمعت فيه نتفاً مختلفة لشخصيات كثيرة قابلت بعضها وسمعت عن بعضها الآخر، شخصيات تتحرك على أرض الثقافة عندنا وفي أماكن مختلفة، بذهنية من صدق نفسه أنه نجيب محفوظ أو غارسيا ماركيز، معظم هؤلاء يمتلكون ذهنيات مشتركة وميزات لا تدري من أين اكتسبوها بالضبط، أهم تلك الميزات: تصديق نفسه والثقة المطلقة بالاكتفاء بالموهبة، هاتان الصفتان هما الأشد دلالة على فشل أي كاتب!
الموهبة أمر لا غنى عنه، لا جدال في أنه ركيزة ومبتدأ الذات المبدعة، لكنه ليس كل الجملة، وهو قابل للاضمحلال إن لم يتم الاشتغال عليه بإحدى أكثر الأدوات فاعلية وأهمية «القراءة»، يقدم لنا الكاتب محمد أبو زيد مجموعة من النصائح التي لو اتبعناها لأصبحنا فاشلين بامتياز كامل، وأول هذه النصائح ألا نقرأ!
يستعين أبو زيد بقول للأديب التشيكي الشهير فرانز كافكا خلاصته (أعتقد أنه يجب علينا قراءة الكتب التي تدمينا، بل وتغرس خناجرها فينا، نحن بحاجة للكتب التي لها وقع الكارثة، الكتب التي تحزننا كما يحزننا موت عزيز علينا أو نفينا في غابة بعيدة، الكتب هي الفأس التي تكسر جمودنا وتحررنا..).
الذين لا يقرؤون هم من يمشون بثقة مطلقة في موهبتهم بجوار جدار يعلو كل لحظة، في النهاية سيكتشف هؤلاء وجوقة المداحين أنهم خارج المعادلة، وأن الكتابة سبقتهم وعلت فوقهم، وأنهم صاروا في الأسفل تماماً! هذا فيما يخص الاتكاء على الموهبة فقط، أما تصديق النفس فتلك كارثة أخرى، لأن العالمين بحقيقة الإبداع ينصحونك بألا تقترب من هذه الأرض السيئة حتى لا تغوص في رمالها!
الكاتب الجيد لا يملك هذا اليقين الذي يباهي به البعض، حتى لو نشر عشرات الكتب ، كما يقول محمد أبو زيد، إنه يظل يكتب ويعيد الكتابة شاكاً في استحقاق ما يكتبه للنشر أو الاطلاع عليه، لأنه يدرك أن الشك نعمة الكتابة الجيدة، بينما اليقين والتصديق نقمة الكتابة والكاتب الفاشل!

البيان