تضم إمارة الفجيرة واحداً من أهم المتاحف التي تنتشر بدولة الإمارات لتسجل تاريخ الأجداد وتراثهم عبر الزمن من خلال الأثريات التي عثرت عليها بعثات التنقيب وخبراء الآثار على مدى السنوات في مناطق إمارة الفجيرة، حيث نشأت فكرة إنشاء متحف الفجيرة في بداية السبعينيات لعرض مقتنيات وآثار الأوائل التي تشير بوضوح إلى تاريخ البلاد القديم وتطور الحياة فيها.
وتعد الآثار المعروضة في المتحف إرثاً حضارياً نادراً يحكي قصة الشعوب التي توالت على أرض الفجيرة عبر عدة آلاف من السنين، يعود تاريخها إلى ما قبل الميلاد، والعصور الإسلامية وصدر الإسلام وما بعد ذلك، وصولاً إلى العصر الحديث، ويعد المتحف اليوم من أهم المزارات السياحية التي تحظى بإقبال كبير من قبل السياح والزوار من داخل الدولة وخارجها.
وكانت بداية المتحف مع غرفة واحدة ملحقة بمكتبة خالد بن الوليد العامة التي أنشأت عام 1969م وكان يشرف عليها الديوان الأميري مباشرة، وكانت تضم بعض أنواع الأسلحة والأواني الفخارية والنقود وأدوات الفلاحة، إلى أن أصبح المتحف اليوم من أهم المتاحف الأثرية بالدولة، كونه يضم 2100 قطعة من المقتنيات واللقى الأثرية النادرة.
وتحدث سعيد السماحي مدير عام هيئة الفجيرة للسياحة والآثار عن بداية المتحف الذي تم افتتاحه رسمياً في 30 نوفمبر 1991م بقاعة واحدة كبيرة للآثار وقاعتين للتراث، بهدف الحفاظ على موروث أهل الإمارات في مراحل ما قبل النفط وبداية الاتحاد، مع إبراز أهم اللقى الأثرية التي تكشف عن عمق تاريخ موقع الإمارة للحضارات السابقة.
وقال «انتهت إدارة المتحف في عام 1998م من عمليات التوسعة بالمتحف بإنشاء قاعتين كبيرتين للآثار وثلاث قاعات للتراث تعرض 589 قطعة أثرية وأحفورة قديمة، كما تم إنشاء قسم للترميم ومختبر وقسم لعمليات التنقيب عن الآثار».
ولم يعد المتحف اليوم يستوعب حجم اللقى الأثرية والقطع الأحفورية التي نتجت عن عمليات التنقيب المستمرة منذ سنوات، والتي قد تبلغ حالياً حسب كشوفات تخزين القطع أكثر من 3 آلاف قطعة اثرية وأغلبتها من القطع النادرة جداً، حيث كشف السماحي عن توجه حكومة الفجيرة إلى تشييد متحفين جديدين في محيط قلعة الفجيرة، ويجري العمل على اعتماد التصاميم النهائية للمشروع الذي من المتوقع أن يبدأ العمل بهما العام المقبل، وسيبنى المتحفان وفق احدث التصاميم العالمية للمتاحف الدولية، من حيث التكنولوجيا والتقنيات على أن يتماشى مع البيئة المحلية في الشكل والمضمون.
وشرحت المرشدة السياحية بالمتحف المواطنة خديجة، الأقسام التخصصية بالمتحف التي تعرض المكتشفات الأثرية وفقاً للتسلسل الزمني، ويضم المتحف 4 أزمنة تبدأ بـحضارة العصر الحجري وتغطي الألف الخامس والرابع قبل الميلاد، تليها حضارة فترة حفيت وتطغي الفترة الزمنية من 3200 إلى 2700 قبل الميلاد، ومن ثم حضارة أم النار التي تتراوح ما بين 2700 إلى 2200 قبل الميلاد، وأخيراً العصر البرونزي من 2000 إلى 1300 سنة قبل الميلاد ويضم حقبة وادي سوق، وحقبة العصر الحديدي، وفترة ما قبل الإسلام وهي في القرن السابع، وأخيرا فترة الحضارة الإسلامية، حيث تشهد القطع الأثرية في متحف الفجيرة على تاريخ تلك الأزمنة في منطقة الفجيرة.
وأوضحت خديجة أن خزانة العرض الأولى تحتوي على كسر فخارية تم العثور عليها في مستوطنة سكنية في منطقة البدية، يعود تاريخها إلى النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد، واستنادا إلى ذلك فهي تعتبر أقدم دليل على وجود استيطان بشري معروف في المنطقة أي منذ 4500 سنة خلت، وعرضت بعدها مكتشفات موقع البدية 2 العائدة إلى الألف الثاني قبل الميلاد، وهي عبارة عن مدفن طويل يزيد طوله على 30 متراً، ويبلغ عرضه قرابة المترين، وقد أعيد استخدام هذا المدفن في القرن الأول الميلادي، حيث عثر فيه على مواد أثرية هلينستية.
وقالت خديجة إن آثار الألف الثانية قبل الميلاد تعرض ضمن معروضات مدفن (قدفع 1)، وهو يشبه حرف (ص) بالإنجليزية، ويتكون من طبقتين للدفن، وباب ضيق من جهة الشرق، كان مغلقاً عند اكتشافه، ويعد هذا المدفن الذي اكتشف مصادفة من أكثر وأغنى مدافن الخليج العربي من حيث مكتشفاته، فقد احتوى على حفريات قيمة، وفيه فخاريات هي عبارة عن جرار وأقداح وأطباق وكؤوس ومغارف وفؤوس من البرونز وقلائد من العقيق الأحمر، وكلها تعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد.
وتبرز بين المقتنيات جرة ذات رقبة طويلة مزججة تسمى (امغورا) وهي تعود للقرنين الأول والثاني الميلاديين وكانت تستخدم لحفظ السوائل.
وفي متحف الفجيرة تجذب (بيضة النعامة) أنظار الزوار الذين يرون غرابة في وضعها بين المقتنيات بينما تشير اللوحة الخاصة بها الى أن بيض النعام كان يستخدم في الماضي كإناء لحفظ السوائل نظراً لصلابته، وقد وجدت البيضة المحفوظة في متحف الفجيرة أثناء عمليات التنقيب في منطقة قدفع.
ولابد لزائر لمتحف الفجيرة من الوقوف امام جناح العملات القديمة التي تحمل اسم حكومة الفجيرة وصدرت بفئة عشرة ريالات ذهبية أو فضية وكان أول صدورها عام 1968 وتوقفت عام 1972 أي بعد قيام دولة الاتحاد مباشرة، والى جانب هذه العملات هناك مجموعة الطوابع التي صدرت في عهد المغفور له الشيخ محمد بن حمد الشرقي وهي تحمل أشكالاً متعددة.
يضم متحف الفجيرة ثلاث قاعات للتراث، الأولى لعرض المهن التي عرفتها المنطقة كالزراعة وصيد الأسماك والتجارة إلى جانب المهن التراثية كصناعة النسيج والفخار، إضافة إلى الوسائل التقليدية التي استخدمت قديماً في الري والزراعة والحصول على مياه الشرب مثل اليازرة والمسحاة والحابول والعنتلة والمخرافة والداس واليبان واليراب والمنفض، وكلها أدوات يستخدمها المزارع بالإضافة إلى أدوات الصيد من قوارب خشبية وشباك وقراقير، فضلاً عن مظاهر حياة السكن، ومجسمات لمساكن قديمة من بيوت الطين والعريش.
أما القاعة الثانية فهي للتراث وتضم الأسلحة القديمة التي استخدمها الأولون إلى جانب أنواع الأزياء الشعبية لدى أهل المنطقة وكذلك الأواني المنزلية التي استخدمها السكان في الماضي، ويوجد داخل القاعة أيضاً نموذج للبيت الشعبي القديم المصنوع من دعون النخيل، ومن بين الأسلحة المعروضة في هذه القاعة أم فتيلة والصمعة والرومية إلى جانب بندقية أثرية يطلق عليها اسم (الخديوي) وتم صنعها عام 1916م.
وتضم القاعة الأخيرة المختصة بالآثار العديد من القطع الأثريـة التي تم اكتشافها في مواقع متعددة منها أوان مصنوعة من الحجر الصابوني أو الكلورايت بالإضافة إلى مكتشفات نحاسية ومجموعة من الأقداح وكؤوس متعددة الأشكال والاستخدامات.
تحتوي المكتبة التاريخية في متحف الفجيرة على مجموعة من الكتب في الدراسات الأثرية المحلية والإقليمية والبحوث التاريخية وعلوم المتاحف والآثار، ويساهم المتحف في نشر مجموعة من المطبوعات عن نتائج الحفريات على هيئة نشرات وكتيبات توثق تاريخ المواقع الأثرية والقطع التي يتم تسجيلها.
البيان