أحمد محمد الشحي

آلمتنا جميعاً كما آلمت كل عاقل التفجيرات الغادرة الأثيمة التي استهدفت المملكة العربية السعودية وعدداً من الدول، ومنها التفجير الغادر الشنيع الذي استهدف المسجد النبوي الشريف.

والذي آلم المسلمين جميعاً في كل مكان، هذا التفجير الذي قامت به داعش دون مراعاة لأي قيم دينية أو إنسانية، ودون مراعاة لأدنى عقل، فأي مسلم يملك ذرة عقل يفكر في استهداف المسجد النبوي وفيه المصلون الصائمون العابدون، إن هذا الجرم لا يتصور صدوره إلا ممن باع عقله لشياطين التنظيمات الإرهابية أمثال داعش التي أصبحت كالثور المذبوح الهائج تضرب في أي اتجاه دون مراعاة لأي شيء.

وتعليقاً على هذه الوقائع دعا وزير الخارجية والتعاون الدولي لدولة الإمارات سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، حفظه الله، إلى محاسبة المحرضين على الإرهاب ودعاة العمليات الانتحارية، حيث قال سموه في تغريدة له: «علينا أن نحاسب من حرض واسترخص دماء البشر وأجاز العمليات الانتحارية».

وهذه الدعوة السديدة تبين لنا الرؤية السياسية العميقة التي يراها سمو الشيخ عبدالله بن زايد في مكافحة الإرهاب، وهي رؤية نافذة نابعة عن معرفة ودراية وسبر لأغوار هذه المحنة التي تواجه الأمة الإسلامية، وهي تضع النقاط على الحروف، وتصيب الحقيقة في الصميم، فإن محاسبة الرموز الفكرية التي حرضت على الأفكار الإرهابية عموماً وعلى العمليات الانتحارية خصوصاً ضرورة كبرى لدحر الإرهاب ووأده، إذْ لا علاج لأي مشكلة من دون معالجة جذورها، والتصدي لأسبابها، ورأس الفتن الإرهابية محرضوها.

فلا بد من التصدي لهم، وإلا فأي فائدة كبيرة في إطفاء النيران مع إبقاء الجمر الملتهب تحت الرماد، وهو ينتظر أن يتحول في أي وقت إلى نيران متأججة تحرق وتدمر من جديد، وقد قال الشاعر قديما محذراً من ذلك:

أرى تحت الرماد وميض جمرٍ… ويوشك أن يكون له ضرامُ

فإنَّ النَّار بالعُودَين تُذكى… وإنَّ الشَّرَّ مبدؤه كلامُ

وهذا الجمر الملتهب هو تلك الفئة المحرضة على الأعمال الإرهابية، والتي تستخدم الكلمات الزائفة لإفساد العقول وتحريضها ضد الأوطان والشعوب، فهؤلاء هم محركو الإرهاب ووقوده، ومبدأ الشر وجذوره، ومحاسبة هؤلاء المحرضين لها أعظم الأثر في التصدي للإرهاب واستئصاله من منابعه، لأن كثيراً ممن يمارسون العمليات الإرهابية والانتحارية هم ضحايا لحملة هذا الفكر الضال الأثيم.

ولكي يتحقق هذا الجانب بفاعلية ينبغي على كل دولة أن تسعى لسن وتفعيل قوانين قوية وحازمة تجرِّم الإرهاب وتجرِّم كل ما يؤدي إليه من قول أو فعل، بما في ذلك تجريم التحريض على الإرهاب، وعقاب مرتكبيه، وخاصة الدول التي ظهرت فيها العمليات الانتحارية، فإنها تحتاج إلى مزيد من تفعيل القوانين التي تردع كل محرض، وهو ما يتفق مع روح الشريعة الإسلامية ومقاصدها، التي دعت إلى حفظ الضرورات وصيانة الدماء والأرواح، واتخاذ التدابير الرادعة التي تحمي هذا الجانب، وجاء في الأثر المشهور عن عثمان بن عفان رضي الله عنه:

«إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، أي إن أهل الشر الذين لا تنفع فيهم الموعظة والكلام تردعهم العقوبات السلطانية وتكفهم عن غيهم وبغيهم، وقد قيل في الأمثال: «من أمن العقوبة أساء الأدب»، وملاحقة المحرضين على الإرهاب وتقديمهم للمحاكمات العادلة لها فوائد جمة، ففي ذلك عقاب لهم على ما فعلوه، وردع لغيرهم، وصيانة للمجتمع من شرهم.

وإن تجربة دولة الإمارات في هذا المجال تجربة رائدة، حيث سنت القوانين الحازمة ضد الإرهاب بمختلف أنواعه وأشكاله، وراعت محاسبة المحرضين على الجرائم الإرهابية ومروجي ومحبذي هذه الأفكار في قوانين عدة، مثل قانون مكافحة الجرائم الإرهابية، وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، كما قامت بتفعيل هذه القوانين على أرض الواقع تفعيلاً جاداً حازماً، فقدمت التنظيمات الإرهابية للمحاكمات العادلة.

وكان لذلك الأثر الكبير في استتباب الأمن والمحافظة على النهج الوسطي وإضعاف الأفكار المتطرفة وتجفيف منابعها، وهذا واضح في واقع دولة الإمارات، فقد غدت موئلاً للزوار من كل الأصقاع، لما تتمتع به من نعم الأمن والاستقرار والقوانين التي تحميهم وتصونهم.

وعلى شبابنا أن يحذروا كل الحذر من المحرضين على الإرهاب، وألا يغتروا بمعسول الكلام الذي يهدف إلى التغرير بعقولهم والمتاجرة بمشاعرهم، فإن كل ذلك زيف، وقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من أمثال هؤلاء الذين يستغلون الكلام المعسول لخداع الناس فقال:

«أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان» أي: بليغ القول يستميل القلوب بالعبارات المنمقة ولكنه فاسد الاعتقاد منحرف الفكر يضل الناس عن سواء السبيل، وهذا التحذير النبوي يشمل أولئك الذين يحرضون على الإرهاب بزخرف من القول غروراً وهم يضمرون الشر للإسلام والمسلمين، فلا ينبغي الانخداع بهم.

وأخيراً أوجه تقديري إلى سمو الشيخ عبدالله بن زايد، حفظه الله، فهو قامة سياسية فذة، أوجع المتطرفين وأصابهم في مقتل بتغريداته الصريحة التي دعا فيها إلى ملاحقة المحرضين على الإرهاب ومحاسبتهم، فحفظه الله ونفع به البلاد والعباد.

البيان