دعت رئيسة حزب «الجبهة الوطنية» الفرنسية مارين لوبن إلى حظر جماعة «الإخوان» الإرهابية وكل تنظيم أو تمويل يتعلق بهذه الجماعة في فرنسا، لأنها تحمل أفكاراً تتناقض مع قيم الجمهورية الفرنسية، وطالبت في حوار مع «صحيفة «فاليير اكتيل» الأسبوعية بترحيل كل الأجانب ومزدوجي الجنسية، في حال تورطهم في علاقات بالجماعات الإرهابية.
وأيدت لوبن التي تمثل اليمين القومي المتطرف تنظيم استفتاء في فرنسا مماثل لاستفتاء بريطانيا حول الخروج من الاتحاد الأوروبي، عارضة استقالتها في حال فشل الانفصال، ومعتبرة أن الرئيس فرانسوا أولاند لا يفهم مسؤولياته ولا يحمل من الرئاسة إلا الاسم، وهو وقبله الرئيس السابق نيكولا ساركوزي يشتركان في العيب نفسه بـ«أن بدلة الرئاسة أكبر منهما مئات المرات»، حسب تعبيرها.
وقالت في تعليقها على الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة: «لو كنت أميركية، فإني سأصوت لأي مرشح للرئاسة إلا هيلاري كلينتون (المرشحة المحتملة للحزب الديمقراطي)؛ لأن سياستها تلغي كل ما بنته الولايات المتحدة، وقدمته للعالم في المجال الاقتصادي والسياسة الدولية، في حين أن دونالد ترامب (المرشح المحتمل للحزب الجمهوري)، رجل يجذب الأميركيين على غرار «وول ستريت»؛ لأنه رجل حر، لذلك لو خيرت، فإنني أختار ترامب». وفي ما يلي أبرز ما جاء في الحوار الذي أثار ضجة واسعة في فرنسا تحت عنوان عريض هو «ما لم تقله مارين لوبن من قبل»:
استفتاء الخروج من «الاتحاد»
* ألا تعتبرين الهزات الارتدادية لاستفتاء بريطانيا حول الخروج من الاتحاد الأوروبي رادعاً للأصوات المطالبة بانسحاب فرنسا من الاتحاد؟
– لا هزات ولا ارتدادات، ولا يحزنون.. لم يحدث «تسونامي» في بريطانيا ولم تنهار البورصة.. هناك ضرورة لإعادة ترتيب الأوضاع في بريطانيا بعد نتيجة هذا الاستفتاء، خلافاً لتصريحات مغرضة، لجهات إعلامية وسياسية متحالفة لإثارة الرعب، والحقيقة هي أن بريطانيا لم تعرف أزمة مفتوحة، أما هذا التحالف السياسي والإعلامي فهو ينكر الحقيقة بمحاولة إخفائها، كي يقول إن الخروج من الاتحاد كارثة. وقد قلت للفرنسيين في اليوم التالي لهذا الاستفتاء «تابعوا جيداً ما سيحدث في الأيام المقبلة، ستدركون حقيقة الاتحاد الأوروبي وحقيقة الذين يدافعون عنه.. ولم أكُن مخطئة».
* هل ترغبين في تنظيم استفتاء مماثل في فرنسا؟
– طبعاً، وبكل تأكيد، يجب الإعداد لمرحلة مفاوضات عميقة حول طبيعة الاتحاد الأوروبي. وبخصوص هذا الاستفتاء، فإننا نشهد اليوم ظاهرة خطيرة لدى الطبقة السياسية في فرنسا، وهي ظاهرة تلغي الحقيقة والديمقراطية كلياً ومن دون أي حرج، حيث دعا قادة سياسيون من اليسار إلى عدم تنظيم مثل هذا الاستفتاء حتى لا يكون ذلك انتصاراً إعلامياً لـ«مارين لوبن».. هذا خطاب سياسي سيتصاعد لانتخابات الرئاسة 2017، وهو يُقر بمنع الشعب عن التعبير بحجة أن ذلك مضر بمصالحة السياسية. وبناءً على ذلك، فإني أعتبر هذا الخطاب يمثل رمزاً لإبعاد الطبقة السياسية عن الديمقراطية، وعن سيادة الشعب.
* إذا كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يتطلب فترة عامين، فكيف يمكن أن تخرج فرنسا من الاتحاد ومن نطاق «اليورو» خلال 6 أشهر؟
– أريد أن نتوقف عن هذه الحجج التقنية التي تهدف إلى الحيلولة بين الشعوب وخياراتها الكبرى وأقدارها التي تسعى لها. فهل تم طرح مثل هذا السؤال عند سقوط حائط برلين؟. هل نحن على يقين بأن الأمور ستكون معقدة؟.. طبعاً لا، لقد وقع الخيار وانتهى الأمر. لأن الجو العام محفز على تحرر الشعوب. وحين انقسمت تشيكسلوفاكيا حصل البلدان على عملتين مختلفتين خلال أسابيع، من دون أي صعوبات.. أعتقد أن الدولة قادرة على ما يريده الشعب.
* ماذا لو كان نصيبك الفشل في هذا الاستفتاء؟
– حينها سأقدم استقالتي، لسبب بسيط هو أنني لن أستطيع تحقيق المشروع الذي انتخبت لأجله، ولن أتمتع بالآليات الضرورية لتحقيق السيادة.
الرئاسة الفرنسية في تدهور!
* كيف كان لقاؤك مع أولاند في قصر الإليزيه عقب الاستفتاء البريطاني؟
– يجب أن يفهم الفرنسيون أن الأمر أكثر تعقيداً مما يتوقعون. فقد وجدتني بين يدي رئيس للجمهورية لا يفهم مسؤولياته ولا يحمل من الرئاسة إلا الاسم.. لقد حدثني فقط عن السيادة الأوروبية، لقد نسي أنه ضامن لاستقلال الأمة الفرنسية. وذكرته بأن على رئيس الجمهورية احترام رغبة الشعب، لكنه كان متمسكاً بخطابه نفسه عشية الاستفتاء البريطاني، شعرت حينها وكأنني أمام دائرة مفرغة.
* كيف تحكمين على أولاند إذاً؟
– الرئيس أولاند وقبله ساركوزي يشتركان في العيب نفسه، فــ«بدلة الرئاسة» أكبر منهما مئات المرات، فقد كان ساركوزي محدوداً في فهمه لـ«معنى» الرئاسة، وتصرف وكأنه مجرد فائز بالسلطة. أما أولاند فكأنه موظف لدى إدارة أنجيلا ميركل (المستشارة الألمانية)، أعتقد أن أولاند يتلقى التعليمات من برلين، ومنذ قيام الجمهورية الخامسة نلاحظ أن منصب رئاسة الجمهورية في تدهور، لأن ما يهم هؤلاء الرؤساء هو تجسيد سيادة الاتحاد الأوروبي، بحيث لا توجد رؤى لمواجهة الانفلات الأمني، وظاهرة الهجرة، ولم تعد الخدمات العامة أولوية لدى هرم السلطة.
المتشددون وسحب الجنسية
* هل توافقين على إنشاء مراكز لاعتقال المشمولين في لائحة «أس» الأمنية والمتهمين بالارتباط بالتنظيمات الإرهابية؟
– أنا ملتزمة دولة القانون، وأنا محامية.. إذاً أنا ضد مراكز الاعتقال، لأني لا أرى بأي إطار قانوني يمكن أن نمنع فرداً من التمتع في حقة بالحرية. لذلك فأنا أقترح إبعاد الأجانب المشمولين بلائحة «أس» الأمنية، كما أقترح التصويت على قانون سحب الجنسية من الذين يحملون الجنسية المزدوجة الذين تشملهم لائحة «أس» الأمنية، من دون انتظار صدور حكم بإدانتهم بالارتباط بالجماعات الإرهابية، كما تم التصويت على مثل هذا القانون في هولندا.
* سيشمل هذا الآلاف من المدرجين في لائحة «أس» الأمنية ؟
– ليس لهذه الدرجة، لأننا سنطرد الأجانب ومزدوجي الجنسية بعد إسقاط جنسيتهم الفرنسية. كما أن غالبية المرتبطين بالتنظيمات الإرهابية هم من مزدوجي الجنسية. إذا يجب اقتلاع الشر من جذوره؛ وذلك بإغلاق المساجد المتشددة وحظر جماعة «الإخوان» التي تحمل أفكاراً متناقضة مع قيم الجمهورية الفرنسية. كما يجب حظر كل منظمة ترتبط بـ «الإخوان»، أو تتلقى منه التمويل. كما يجب منع التمويل الأجنبي للمساجد الموجودة في فرنسا.. لا يمكن أن نقول إننا في حرب مع الإرهاب ونتصرف على خلاف ذلك. والمثال الحيوي على ذلك هو حالة الطوارئ المعلنة.. إنها حالة طوارئ «إعلامية» أو «دعائية» لا أكثر.
رئاسة «الجبهة الوطنية»
* لماذا وفي أي لحظة قررت «خلافة» والدك في رئاسة الحزب؟
– قبل عام 2005 لم أفكر في قيادة الحزب ولا الترشح للرئاسة، وهذا لسبب بسيط هو أني قدمت حياتي كي يكون والدي رئيساً لجمهورية فرنسا، وأعتقد أنه ليس بإمكان أحد أن ينكر ذلك، حتى الذين يكرهونني لا يمكنهم إلا أن يعترفوا بهذا. لكن في عام 2005، وبعد تصريحات والدي حول «الاحتلال الألماني»، جرى بيننا حينها نقاش حاد، وقدمت له استقالتي من المكتب التنفيذي للحزب. وذهبت بعدها في إجازة، وهناك اطلعت على مقابلة إعلامية صرح فيها والدي بأنني أخرب الوضع، وعندها أدركت أن رؤيتنا مختلفة كلية، واتصلت به وقلت له، بأني سأترشح لخلافته في رئاسة الحزب ضد بيرونو غولنش الذي كان شريكاً لوالدي في الرؤية نفسها، ودافعت عن قناعاتي. وأصبحت رئيسة للحزب.
* ما هو ردك حين يقال إنك أبعدت والدك عن الحزب؟
– لا.. لا أصدق هذا إطلاقاً، فهو مجافٍ للحقيقة.. لقد تم اتخاذ هذا القرار، لأن والدي لم يترك لي أي سبيل لحماية الآلية الأنجع للدفاع عن قناعاتنا في الجبهة الوطنية.
* لكن كيف تفسرين هذه القطيعة؟
– أعتقد أن الأمور تغيرت بعد إعادة انتخابي في مؤتمر ليون نوفمبر 2014.. لم تعد هذه هي الحالة في المؤتمر الثاني.. لقد حصلت على الشرعية فقط من المنتسبين للجبهة. وبدءاً من هذه اللحظة فإنه لم يتحمل القرارات التي اتخذها، والتي لا يوافق عليها، ولم يعد بإمكاني التحمل، فقد تمادى في افتعال المشكلات الشخصية تجاهي، لقد تصرف والدي نفسياً كمدير قديم لمؤسسة يرفض انتقال المسؤولية إلى غيره.
الانتخابات الرئاسية 2017
* ما هو الفرق بين نظرتك للانتخابات الرئاسية 2017 بالمقارنة مع 2012؟
– خلال الانتخابات الرئاسية 2012 كنت قد وصلتُ حديثاً لرئاسة «الجبهة الوطنية»، وقمت بالحملة في ظل الأضواء المسلطة حينها على الحركة. لأني كنت مترشحة لرئاسة الجبهة. أما في الانتخابات الرئاسية لعام 2017 فإنني مرشحة الجبهة لرئاسة الجمهورية. وهذا مختلف كثيراً بطبيعة الحال.
* لماذا ترفضين وصف «الجبهة الوطنية» باليمين المتطرف؟
– طبعاً لأن اليمين المتطرف حركات ذات أقلية، وهي ترفض في نضالها شرعية المسار الديمقراطي. ولدى هذه المجموعات نظرة عنصرية لفرنسا، وهم يرفضون رؤيتي للجمهورية التي هي رؤية الجبهة الوطنية. كما أن لبعضهم رؤية «عقدية» للسياسة، ونحن في الجبهة ضد هذه الرؤية؛ لأننا ندافع عن كل الفرنسيين مهما اختلفت أصولهم أو دياناتهم.
* تشير كل استطلاعات الرأي الخاصة بالانتخابات الرئاسية 2017 إلى تأهلك للدور الثاني، وخسارتك أمام المرشح الذي ستواجهينه باستثناء أولاند، فهل ستترشحين لرئاسيات 2022 في حال خسارتك؟
– لست في حالة ذهنية أوتوماتيكية، وإذا كنت في الواجهة اليوم فذلك لأني الأفضل للدفاع عن آرائنا ومشروعنا. وحين يأتي الغدُ بشخص يدافع أفضل عن هذه الأفكار حتى من خارج إطار الجبهة الوطنية فإني سأتيحُ له المجال من دون أي صعوبة.. ليست لدي أجندة شخصية في المعركة السياسية، بل لدي رؤية جماعية.
* كل منافسيك المحتملين للرئاسة 2017 سواء في اليمين أو اليسار على يقين بالفوز عند مواجهتك في الدورة الثانية؟
– نعم هذا ما أقرأه وأسمعه.. لكن هل كان هؤلاء ينتظرون نتيجة استفتاء بريطانيا، وهل كانوا يتوقعون فوز دونالد ترامب بالترشح باسم الجمهوريين في أميركا؟.. أعتقد أن من الخطأ اليوم أن نعتبر أن هناك احتمالاً غير ممكن وغير وارد، فكل الاحتمالات واردة، بما في ذلك مواجهتي لأولاند خلال الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية في 2017.
سباق البيت الأبيض
* لو أنك «أميركية» هل كنت ستصوتين لكلينتون أو ترامب»؟
– لو أنني كنت «أميركية»، فإني سأصوت لأي مرشح إلا هيلاري كلينتون؛ لأن سياسة كلينتون تلغي كل ما بنته أميركا وكل ما قدمته للعالم في المجال الاقتصادي، وفي مجال السياسة الدولية. وأعتقد أن السياسة التي ستتبناها هيلاري هي سياسة ستضر فرنسا، ومصلحة فرنسا هي المقياس بالنسبة لي. أما ترامب فهو رجل يجذب الأميركيين على غرار «وول ستريت»؛ لأنه رجل حر، لذلك فعندما يكون الخيار بين كلينتون وترامب، فإنني أختار دونالد ترامب.
الاتحاد