كشف وقف إطلاق النار الذي طبق أمس في جوبا بعد أربعة أيام من المواجهات الدامية بين القوات الموالية للرئيس والمتمردين السابقين، عن مأساة إنسانية طالت 36 ألف شخص على الأقل أجبروا على الفرار من منازلهم، وإن كان بعض النازحين بدأوا الخروج أمس بحذر. ولم يسمع أي طلق ناري أو قصف مدفعي أمس، ولم تحلق أي مروحية قتالية في سماء عاصمة جنوب السودان، فيما استؤنفت حركة الملاحة الجوية بشكل محدود في مطار جوبا، حيث شوهدت طائرة تقلع منه صباحاً. وكانت جوبا قد شهدت من مساء الجمعة حتى الاثنين مواجهات دامية بين قوات موالية للرئيس سيلفا كير ومتمردين سابقين تابعين لخصمه نائب الرئيس رياك مشار. واستجاب المسؤولان لدعوات الأسرة الدولية بإعلان مساء أمس الأول وقف إطلاق النار.
ولم يتسن الحصول على حصيلة لضحايا المواجهات التي استمرت أربعة أيام، لكن معظم الأطراف يؤكدون أن «مئات» الأشخاص قتلوا في موجة العنف الجديدة مع الذكرى الخامسة لاستقلال البلاد. وصرح جوزف امانيا المسؤول عن الفرع المحلي لمنظمة «ترانزيشونال جاستيس ووركينغ غروب» غير الحكومية «اتسعت المعارك الاثنين إلى محيط جوبا لكن يبدو أنها توقفت». وأضاف «هناك شائعات عن وقوع معارك في مناطق أخرى من البلاد لكن لا شيء يدل في هذه المرحلة على أنها مرتبطة بتلك الدائرة في جوبا» في إشارة إلى النزاعات التي يعود بعضها إلى ما قبل فترة الاستقلال بين ميليشيات لا تعتبر أنها تنتمي لأي من المعسكرين اللذين يتقاسمان السلطة في جوبا.
وأعلنت الأم المتحدة، أمس، أن المعارك التي شهدتها جوبا منذ الجمعة، أدت إلى تشريد 36 ألف شخص. وقالت المتحدثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة، فانيسا هوغينين: «إن المعارك الأخيرة شردت 36 ألف شخص منذ الجمعة»، موضحة أن هذا العدد مرشح للارتفاع، لأن الوضع غير مستقر بعد. وفر هؤلاء الأشخاص – معظمهم نساء وأطفال – من المعارك ولجأوا إلى أماكن حماية المدنيين لدى بعثة الأمم المتحدة ومناطق أخرى في العاصمة، منها كنائس ومدارس.
وخرج السكان من أماكن إيواء مؤقتة في جوبا أمس، بعد أن نجح وقف لإطلاق النار في وقف القتال. وقال سامسون كيني (34 عاماً) من سكان العاصمة جوبا: «نحن حتى لا نعرف ما يحدث. هذه الأشياء تحدث مراراً وتكراراً وسكان جنوب السودان يعانون. نحن نحتاج للسلام». وقال جيرميه يونج المستشار لدى جماعة ورلد فيجون: «خرج العديد من النازحين الذين تركوا ديارهم في القتال الأخير للتريض قليلاً. هم في الشوارع. لا يبتعدون كثيراً». وإلى جانب الفرار إلى قواعد الأمم المتحدة لجأ بعض سكان جوبا كذلك إلى كنائس ومدارس هرباً من القتال. وأضاف يونج في اتصال هاتفي «الاحتياجات الإنسانية ستكون كبيرة للغاية بعد ذلك». وأضاف: «سيحتاجون للغذاء والمأوى والماء. الماء سيشكل مصدر قلق كبير في الأيام القليلة المقبلة»، وتابع: إن الحاجة للمأوى وللمياه النقية ملحة، إذ إن هذا هو موسم الأمطار.
ودان البيت الابيض بشدة المعارك العنيفة التي شهدتها دولة جنوب السودان في الأيام الأربعة الأخيرة، داعياً المتحاربين جميعا للعودة إلى ثكناتهم. وقالت مستشارة الأمن القومي سوزان رايس في بيان: «إن الولايات المتحدة تدين بأشد العبارات عودة العنف إلى جنوب السودان. هذا الأمر يجب أن يتوقف».
وأضافت: «إن هذا العنف المجنون وغير المبرر يقوده مرة أخرى أولئك الذين يضعون مصالحهم الذاتية فوق مصلحة بلدهم وشعبهم، يعرض للخطر كل ما يتطلع إليه شعب جنوب السودان منذ خمسة أعوام».
وكانت الولايات المتحدة قد دعمت استقلال جنوب السودان، الدولة الأصغر في العالم من حيث العمر، والتي أطفأت السبت شمعتها الخامسة، في ذكرى طغت عليها معارك عنيفة أدمت العاصمة جوبا. وقالت مستشارة الأمن القومي الأميركي: «بدلا من الاحتفال بهذه الذكرى فإن أعمال العنف الأخيرة ستحدث على العكس من ذلك صدمة لدى مواطني جنوب السودان الذين عانوا أصلاً ما فيه الكثير». ورايس التي كانت مساعدة لوزير الخارجية في عهد بيل كلينتون قبل أن يعينها باراك أوباما سفيرة لدى الأمم المتحدة ثم مستشارته لشؤون الأمن القومي، دعت «القادة العسكريين وضباطهم وجنودهم إلى تركيز جهودهم على وقف العنف فورا». وأضافت: «ندعو المتقاتلين للعودة إلى ثكناتهم»

الاتحاد