محمد الحمادي
ما حدث في نيس لا يمكن أن نطلق عليه مجرد عملية إرهابية، فهذا ليس مجرد إرهاب، إنه التوحش في أوضح صوره، فما قام به ذلك المجرم تجاوز كل شيء له علاقة أو ارتباط بالإنسانية أو البشرية، بل وحتى الحيوانات لا يمكن أن تقبل بمثل هذه الأفعال، وسواء كان المجرم «داعشياً» أو منتمياً لجماعة أخرى، فإن ما قام به عمل وحشي مكتمل الأركان والعناصر، ولو بقي منفذ العملية حيّاً لكان يستحق أن يأخذ كل إنسان حقه منه، لأنه ببساطة آذى كل إنسان على وجه الأرض، فإنْ يقوم إنسان وبدم بارد بدهس أشخاص آمنين يحتفلون مع أصدقائهم وأسرهم ومواطنيهم في مكان عام، ويأتي عامداً متعمداً، فيصدمهم بشاحنته ليقتل 84، بينهم 10 أطفال وأكثر من 200 مصاب، بينهم 52 حالتهم حرجة، وحصيلة القتلى قابلة للارتفاع، فهذا عمل غير إنساني أبداً، ولا هو عمل إرهابي، إنه عمل وحشي جبان قام به شخص نُزعت من قلبه كل معاني الإنسانية والرحمة والخير، واستبدلت بمشاعر الشر والحقد العميق.
بعد حادثة المدينة المنورة في نهاية شهر رمضان الكريم، وهذه الحادثة المؤسفة، نجد أننا أمام واقع جديد وأشكال جديدة للإرهاب، وهو ما يعني أن من يحركون أولئك الإرهابيين ذهبوا بعيداً وكثيراً في التخطيط لجرائمهم، وتمادوا كثيراً في القتل وإزهاق أرواح الأبرياء، ولم يعد يردعهم شيء أو أحد، فهل يبقى العالم صامتاً أمام هذه الواقع الجديد، أم سيكتفي بلوم المسلمين على هذا الإرهاب، وكأن العالم لا يتحمل أي مسؤولية عما وصلنا إليه؟
في المقابل، يجب أن ننتبه إلى أن حزب «ولكن» لا يزالون موجودين بيننا في عالمنا العربي والعالم الغربي أيضاً، فلماذا لا نزال نسمع من يبرر الإرهاب، ويستخدم «ولكن» عندما يبدأ بإدانة تلك العمليات الإرهابية والعنصرية؟! من يبررون هم جزء من هذا الإرهاب، وهم جنود الصفوف الخلفية له، ومنهم جهلاء لحد الخطيئة، فيشتركون في هذه الجرائم بجهل كامل، وفي كلتا الحالتين لم يعد مقبولاً أن نسمع من يبرر أي عملية إرهابية، فما بالنا بعملية وحشية كهذه مثل التي شهدتها مدينة نيس؟!
الحرب على الإرهاب بدأت منذ سنوات، لكن الإرهابيين في ازدياد، وهي أكثر الحروب «خجلاً» على عدو فتاك، فبدلاً من أن يسخّر العالم جميع إمكانياته لمحاربة الإرهاب والإرهابيين، فقد اختار التردد بين محاربته أو احتوائه إلى أن أصبح الإرهاب متوحشاً، والإرهابيون وحوشاً، ومن يحركون هذه اللعبة في قمة الشر والتوحش، وفي منتهى الإجرام.
دولة الإمارات حددت موقفها من الإرهاب والإرهابيين والجماعات الإرهابية منذ زمن، وأعلنت موقفها الواضح منها، وقيادة الإمارات موقفها واضح في الوقوف إلى جانب الدول التي يضربها الإرهاب، وفي عزمها على التصدي لجرائم الإرهابيين، وهذا ما أكده من جديد بالأمس صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، عندما قال: «جريمة نيس الإرهابية لن تثنينا عن عزمنا على التصدي للتطرف والإرهاب، ورسالة الإسلام السمحة، وقيمنا الإنسانية هي التي توجهنا»، وأضاف: «هذه الجريمة الإرهابية تستهدفنا جميعاً، وفي هذا الامتحان سننتصر بإرادتنا وعزيمتنا وتعاوننا المشترك»..
وهذا الإيمان بالانتصار على الإرهاب هو ما يحتاج العالم إلى أن يحمله في قلبه، ومن ثم يحتاج لأن يتعاون بصدق وبقوة مع بعضه بعضاً، للقضاء على أكبر شر تواجهه البشرية.
الاتحاد