علي أبو الريش

لا أدري ما السعادة التي يحس بها أولئك الذين ينشرون مشاهد الحوادث المفزعة، وأي قلب هذا الذي يجد المتعة في مقاطع فيها من الدماء والأجساد الممزقة ما يقشعر له البدن؟! حقيقة هذه ظاهرة تستحق الدراسة والبحث، لأنه ما من إنسان طبيعي يمكن أن يفتح كاميرا هاتفه لأجل أن يصور منظراً ينزع الروح من البدن، ثم يبدأ في نشر هذا المنظر أو هذه الصورة ليطلعها على الناس أجمعين.
سلوك سيئ يخبر عن شخص هو مشروع إنسان عدواني كاره، وقد خلف ضميره في البيت، وذهب إلى الشارع خالي الوفاض بلا وازع ولا منازع ولا دافع غير الرغبة في التسلي بمصائب الآخرين واللهو والعبث بمآسيهم.. سلوك يندى له الجبين ولا يمت بصلة إلى قيم وعادات وتقاليد ودين مجتمعنا الذي تربى أهله وناسه على الحب والتعاطف والتآلف، هذه خصال جديدة اقتحمت ديارنا، وشوهت ضمائر أجيالنا وجمدت مشاعر البعض منا حتى صاروا أخشاباً مسندة وضلوعاً تخفي بين نسيجها قلوباً من طين وأخرى من عجين، سلوك مخيف وسخيف عندما تجد شخصاً ما يشرح كيف استطاع اقتحام حرمة ميت، والتقط الصورة، وعلق عليها أيضاً معتبراً ذلك شيئاً من النجاح والتفوق والامتياز والسبق.
ولو فكر هذا الشخص مرة واحدة بعقل وضمير وتخيل أن الحدث الذي التقط له الصورة يخصه هو أو أحد أقاربه، أمه أو أبوه، ماذا سيكون رد فعله.. هل سيضحك أو يقهقه كما يفعل مع غيره أم أنه سيغضن جبينه ويعقد حاجبيه ويزبد ويرعد، وقد يشمر عن ساعده باحثاً عن المجرم الذي ارتكب هذه الجريمة الاجتماعية النكراء.
أتمنى أن يفكر أصحاب اللقطات «الفلتة»، وأن يبصروا جيداً ويتبصروا، وينظروا إلى هذه التصرفات على أنها شاذة ومرفوضة ومنبوذة ومستنكرة من كل ذي عقل وضمير، وأن مجتمع الإمارات لم يعتد مثل هذه السلوكيات الغريبة والعجيبة والمهيبة والمريبة.. مجتمع الإمارات ما عرف يوماً أن يسخر من ميت أو يسخط من مصاب، مجتمع الإمارات ما عاش مثل هذه الحالات المزرية التي تجعل الإنسان يتقزز من ذوي السلوكيات المشينة والمشوهة، والمخربة للأخلاق والقيم التي تربى عليها إنسان الإمارات.. وعندما تجد شخصاً يمارس مثل هذه العادات المقرفة تشعر أنك أمام كائن بشري خرج من أتون غابة متوحشة يتفرج فيها المفترسون على الضحايا ويقلبون أجسادها بزهو وفخر لأنهم فقط وحوش، وعندما تصبح كل التصرفات مشاعة، وعندما تتحول الحرية إلى فوضى، وعندما تستغل التكنولوجيا الحديثة في أفعال تمت إلى الجاهلية الأولى، وعندما لا توجد قوانين ذاتية تحكم الأشخاص وتضبط سلوكياتهم، فلا قانون في الدنيا يستطيع أن يردعهم ويوقف تصرفاتهم. الوازع الأخلاقي الشخصي أهم من كل القوانين والأعراف، وهكذا عرفنا الحياة، هكذا تعلمنا من أخلاق الأولين، وهكذا استطاعت الإمارات أن تكون النجمة اللامعة في سماء العالم بفضل من بنوها على أسس الأخلاق الاجتماعية الذاتية، لذلك لا نريد من يقتحم أعرافنا بسيوف الافتراء على القيم، ولا نريد أن تكون فوضى الأشخاص رسالة مباشرة إلى العالم تغير مضمون قيمنا، ولا نريد لهؤلاء أن يصبحوا المعول الذي يهدم المشهد الحضاري الذي حققته الإمارات وتميزت به عن غيرها، حيث أصبحت الإمارات ظاهرة عالمية فريدة في كل محافل التقدم والارتقاء والتطور، وفي كل مجالات رفاهية الإنسان وسعادته وانتمائه إلى وطنه وأهله وقيادته..
وأنجح وسيلة لإحباط هذه الرغبات الشيطانية ألا يساهم من يتلقى هذه المقاطع بإرسالها إلى الآخرين، لعل وعسى أن نكون قد أوقفنا بعضاً من الغثاء.

الاتحاد