د. فاطمة الصايغ

المتغيرات التي تشهدها أسعار النفط أثرت ولا شك على جميع دول الخليج تماماً كما أثرت على جميع البلدان المنتجة للنفط في العالم.

هذا الأمر يجعل من النفط كمصدر للدخل في حد ذاته تحدياً يرمي بظلاله على قطاعات كثيرة وعلى أطراف عدة على رأسها المؤسسات الدولية كالبنك الدولي مثلاً. ومما لا شك فيه أن معظم دول الخليج مدركة لحجم هذا التحدي واتخذت من الإجراءات الاقتصادية ما يجعلها مهيأة لمواجهة تردي أسعار النفط. فالإمارات مثلاً، سعت منذ عقود إلى تنويع اقتصادها والابتعاد عن النفط كمصدر وحيد، فنشّطت قطاعات أخرى كالسياحة والصناعة والتجارة التي وفرت للدولة دخلاً مهماً يخفف من تراجع أسعار النفط.

المتغيرات الاقتصادية العالمية في أسعار النفط، كبيرة للغاية وسوف يكون لها آثار كبيرة وجذرية ليس فقط على الدول المنتجة والمستهلكة بل على قطاعات اقتصادية كثيرة، بالإضافة إلى ذلك فإن هذه المتغيرات سوف تؤثر ليس فقط على الدول المنتجة للنفط بل على النظام العالمي بأكمله.

المؤسسات المالية الدولية قد اتخذت جملة من الإجراءات لمواجهة التحديات العالمية وأهمها تقديم النصيحة بشأن كيفية مواجهة تحدي المتغيرات الاقتصادية بطريقة لا تؤثر كثيراً على وضع هذه الدول المرتبطة مع بعضها البعض في نظام اقتصادي عالمي قائم على التأثر والتأثير.

كانت إحدى النصائح لتجنب الخلل في الميزانيات الداخلية للدول الأعضاء فيها هي التخلي عن الدعم الحكومي لبعض السلع وفرض ضريبة تسمى ضريبة الدخل المضاف. هذه الضريبة تعني رفع الدعم الحكومي عن بعض السلع كالوقود أو الخبز مثلاً، الأمر الذي يوفر للدول دخلاً إضافياً لتحسين الخلل في ميزانيتها العامة.

لو نظرنا إلى دولة كمصر مثلاً، فقد تبنى برلمانها المصادقة على ضريبة الدخل المضاف والتي سوف تفرض في السنوات المقبلة. ما يخص دول الخليج فإن أحد الأمور التي قد تدخل إلى نظامها الاقتصادي هو فرض ضريبة الدخل المضاف والتي لن تتعدى في كل الأحوال 15 %. هذه الضريبة سوف تساهم في تحسين وضع الميزانية العامة.
فرض ضرائب في مجتمعات الخليج عموماً شيء لم تعهده تلك المجتمعات منذ ظهورها الحديث على الساحة العالمية. فمنذ اكتشاف النفط كانت مجتمعات الخليج مجتمعات رفاه قائمة على تقديم الدولة كل أشكال الدعم للناس بما فيه الإسكان والعلاج الصحي وكل الخدمات الحكومية الأخرى، وعلى الرغم من فرض دول الخليج أخيراً بعض أنواع الرسوم البسيطة على بعض الخدمات استجابة لمتطلبات التنمية إلا أن تلك الرسوم لم تؤثر على المستوى المعيشي للمواطنين ولا على مستوى الخدمات العامة المقدمة. فقد ظل الجانب الأكبر من الخدمات العامة كالتعليم والرعاية الصحية مجانياً.

إن المتغيرات الاقتصادية المقبلة لا شك سوف تكون مؤثرة ليس فقط لأنها مرتبطة بسوق النفط ولكن لأنها مرتبطة بالنظام الاقتصادي العالمي وبتحول العالم إلى قرية صغيرة مؤثرة في بعضها البعض. فإزالة الحواجز بين البلدان لا تعني فقط سرعة التحرك من بلد إلى بلد ولا سرعة انتقال الأفكار، ولكن أيضاً قوة التأثر والتأثير بين تلك البلدان. إن دول الخليج اليوم لاعب مهم في النظام العالمي لأسباب عدة يأتي على رأسها أنها دول منتجة للطاقة وبسبب موقعها المهم بين الشرق والغرب وبسبب أنها دول تضم جنسيات من مختلف دول العالم، ونتيجة أيضاً لكونها أعضاء في نظام عالمي موحد، وبسبب هذه الأمور كلها لابد لدول الخليج أن تتبنى كل الإجراءات الاقتصادية التي تتبناها الدول الأخرى الأعضاء في النظام العالمي ومؤسساته.

البيان