عائشة سلطان
ليست المرة الأولى التي ستطلع فيها شمس أول أيام عيد الأضحى المبارك وأنا خارج الإمارات، فلا زلت أتذكر المرة الأولى التي أطل فيها العيد علينا ونحن نمشي كسياح أجانب في أحد شوارع مدينة أزمير التركية، كنت أفتش عن العيد هنا وهناك، في ثياب الأطفال الملونة، في التحايا والأمنيات، في تكبيرات المساجد التي تملأ تركيا، في نقل صلاة العيد عبر شاشات التلفزة، لكن شيئاً من هذه المظاهر لم يكن موجوداً، يومها أحسست بشعور غريب كفتاة حلوة انتزعت منها كامل زينتها، أحسست كأنني طفل أضاع يد أمه في الزحام وسط جموع بلا ملامح، وصار الشوق للعيد ولمدينتي كبحر لا نهاية له!
في المرة الثانية كنت في بيروت، قضيت يوم عرفة صياماً في جبل لبنان مع صديقة عزيزة، كان الوقت شتاء، ومن شرفة الشقة كان مشهد الغيم الذي يكلل الجبل والبيوت وقرميد المنازل خرافياً لا يمكن أن يتكرر كثيراً، كان الطقس بارداً جداً، حتى إننا كنا نسحب أجهزة التدفئة معنا ونحن نتحرك في المكان، وفي الصباح قررنا أن نتوجه إلى مدينة زحلة أو «جارة الوادي» كما أسماها الشاعر الكبير أحمد شوقي في قصيدته الرائعة التي غنتها فيروز، ولحنها الموسيقار محمد عبدالوهاب، ويقول مطلعها:
يا جارة الوادي طربت وعادني
ما يشبه الأحلام من ذكراك
أمام فندقها الشهير يوجد تمثال نصفي لأمير الشعراء أحمد شوقي، وفي بهو الفندق علقت صور بلا حصر لمن جاء وغنى وأحيا الفن والشعر والموسيقى من جيل العمالقة: أم كلثوم وفيروز وعبدالوهاب وغيرهم.
في المرة الثالثة قضيت العيد في ميونخ لأسباب صحية، وقفة عرفة أحييتها كما يجب، وفي صباح العيد تقاسمت الفرح مع صديقتي وقررنا الذهاب بالقطار إلى مدينة فيرونا وفينيس، كانت اختيارات جميلة تتسق مع العيد الذي كان في قلوبنا أكثر منه على أرض الواقع، فالعيد فرح يستقر في القلب وتترجمه جوارحنا لاحقاً، لذلك فمن لم يكن العيد فرحاً نابتاً في قلبه لا يمكن للأغنيات ولا للثياب والهدايا أن تفرحه أبداً.
اليوم أيضاً أقضي العيد بعيداً، لكن فرحي في قلبي وعائلتي معي.
كل عام وأنتم في فرح العيد تقيمون ولائم محبتكم وطمأنينة قلوبكم، أعاده الله عليكم وعلينا بالفرح والأمان والخير.
البيان