أثارت قضية شابة إماراتية، تعاني مرض اضطراب الهوية الجنسية، جدلاً واسعاً بين المتعاطفين والرافضين، عقب نشر وسائل الإعلام رغبتها في تصحيح جنسها، وانتظاراً للفصل في دعوتها أمام محكمة أبوظبي الابتدائية، للحصول على حكمٍ يسمح لها بالخضوع لعمليّة تصحيح الجنس.

وبعد أن حددت المحكمة يوم بعد غد 28 سبتمبر الجاري للنظر في القضية، ووسط حالة من الترقب الذي يشوبه القلق الممزوج بالخوف: «تقول الشابة (أ) إنها تثق بالقضاء الإماراتي وبالشرع الذي سينصفها»، ولكنها تخشى العامة، ومع ذلك لا تشعر بالخوف من ردود أفعال الناس، مطالبة الجميع بأن يقرأ عما يسمى بمرض «اضطراب الهوية الجنسية» الذي تعاني منه. وهي ليست شخصية هامشية في المجتمع، وإنما أكملت دراستها الثانوية بتفوق لتلتحق بالجامعة، حيث حصلت على بكالوريوس في الإدارة، ومن ثم حصلت على درجة الماجستير، كما أنها موظفة في إحدى المؤسسات الحكومية، وفق ما أدلت به. وتقول (أ) لـ «الاتحاد»: «إنها شخصية انعزالية انطوائية تخشى الاقتراب من أحد، وحياتها كتاب مغلق»، مؤكدة أن لا أحد يعلم مكان عملها.. إنها صاحبة هذه القضية المثيرة للجدل.

تؤكد الفتاة صاحبة القضية، أنها «شخص» سوي وليس شاذاً، وجل ما تريده هو أن تعيش بسلام وتتعايش مع ذاتها، وتصف طفولتها بأنها «طفل ذكر عاش كل ما يعيشه الطفل الذكر، وحين وصلت لمرحلة المراهقة، فوجئت بأعراض الأنوثة، وبدأت حالة من النزاع النفسي، لدرجة أنها قررت الانتحار، إلا أن وازعاً دينياً قوياً كان سداً منيعاً لمثل هذه الأفكار، حيث قضت أيامها في الصلاة والصوم والبكاء». وتتابع: «حين دخلت المرحلة الجامعية، تفتحت عيناي على الحقيقة عبر البحث المستمر والمستميت في (الإنترنت)، وتيقنت حينها بأنني أعاني مرض اضطراب الهوية الجنسية، وبدأت مرحلة جديدة من المعاناة والبحث عن حلول وعلاجات، فكانت البداية مع «جهة صحية حكومية» باشرت بعلاجي من خلال جلسات نفسية لمدة عامين، ثم مددت العلاج إلى عامين آخرين، لكن حالياً في مرحلة العلاج الهرموني والتدخل الجراحي الذي استدعى الحصول على موافقة القضاء».
وقالت: «لا مانع لدي أن أكون قرباناً من أجل جميع الأشخاص الذين يعانون مثل هذا المرض، وكلي أمل أن ينظر القضاء إلى «قضيتي» بعين الرأفة»، مؤكدة رفضها للسفر خارج الدولة كي تحل مشكلتها بهدوء، فهي تسير في طريق مليء بالأشواك، ولكن النهاية وردية بإذن الله، حسب تعبيرها.

وأضافت: «قبل موافقة المحامي علي المنصوري على الدفاع عني، طرقت أبواب أكثر من محامي، إلا أنهم رفضوا الدفاع عني، رغم أن أحدهم اطلع على التقارير الحكومية الطبية التي توصي بإجراء عملية بحكم أنني أعاني مرض «اضطراب الهوية الجنسية»، إلا أنه شعر بالخوف من هذه القضية التي وصفتها بأنها مرفوضة اجتماعياً».

وتخطط «أ» في حال جاء الحكم لمصلحتها أن تبدأ بالعلاج الهرموني والجراحي، وتغيير «الجنس»، وبعد ذلك تغيير هويتها في أوراقها ومستنداتها، ومن ثم تكوين أسرة، وفق ما يحلم به أي رجل.

لجنة حكومية

قال المحامي علي عبد الله المنصوري، إنه لم يشعر بتخوف على مستقبله بسبب هذه القضية، لأنه مؤمن تماماً بعدالة القضاء وبحق موكلته بالحصول على حكم يؤهلها للعيش بصورة طبيعية.وذكر أن موكلته لا تعاني من شذوذ جنسي، فهي «منذ كانت في الثالثة من العمر، تشعر بأنها ذكر،»، واصفاً هذه الحالة المرضية «باضطراب الهوية الجنسية». وأشار إلى أن موكلته تخضع منذ سنوات لعلاجات نفسية، وأوصت لجنة طبية حكومية بأن تخضع لعملية تحول جنسي. كما أنها لديها أكثر من تقرير يوصي بإجراء عملية التحول، لكن الأمر يتطلب موافقة القضاء لإجراء العملية، لذا لجأت لرفع قضية بهذا الشأن.
وأكد أن اللجنة الشرعية بالهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، أصدرت في الخامس من مارس 2013، فتوى تجيز عمليات تصحيح الجنس التي تعني التدخل الطبي المناسب لتعديل خلل جسدي عضوي في الشخص، أدى إلى غموض في تحديد جنسه، معتبرين العملية علاجاً لحالة مرضية يقصد بها إزالة الاشتباه في الانتماء الجنسي للشخص.

وقال إن القانون يسمح بإجراء عمليات تغيير الجنس، أو إجراء العمليات الجراحية التي يتم من خلالها تغيير المظهر الخارجي للشخص المتحول جنسياً.

القانون يجيز

واستشهد المنصوري بالمادة السابعة من المرسوم بقانون اتحادي رقم (4) لسنة 2016 في شأن المسؤولية الطبية، قد أجازت إجراء عملية تصحيح الجنس إذا كان انتماء الشخص الجنسي غامضاً ومشتبهاً في أمره بين ذكر أو أنثى أو له ملامح جسدية جنسية مخالفة لخصائصه الفيزيولوجية والبيولوجية والجينية.

ولا يكون ذلك إلا بموافقة لجنة طبيّة متخصّصة، تُقَيِّم حالة المريض باضطراب الهويّة الجنسيّة، وتُحيله إلى طبيب نفسي يتولّى تهيئته نفسيّاً لتعديل الجنس. وأشار المنصوري أن لدى موكلته تقارير من 6 لجان طبية، توصي بإجراء عملية التحول، إلا أن هذه العملية متوقفة على إجازة القضاء، ما دفع موكلتي إلى اللجوء للمحكمة.

تغيير أم تحديد

وأكد الدكتور أمين الجوهري، أستاذ طب وجراحة الأطفال في مستشفى برجيل أبوظبي، أن هناك فرقاً كبيراً بين تغيير الجنس وتحديد الجنس، والخلط بينهما يؤدي إلى التباس الأمر بين العامة، مشدداً على أن عملية تغيير الجنس لميول نفسية شاذة أمر مرفوض قطعياً، من حيث الشرع والمجتمع والقانون.

وأضاف أن المرضى ينقسمون إلى نوعين، الأول يعانى اضطرابات عضوية أو ما يسمى الخنثى الذكرية أو الخنثى الأنثوية، أي الشخص الذي لا تتوافق أعضاؤه التناسلية مع الكروموسومات المحددة للجنس (XX &XY)، فمثلاً الحالة الأنثوية يكون التركيب الكروموسومي (أنثوي XX)، رحم ومبيض، لكن الأعضاء الخارجية تشبه الذكر بدرجات متفاوتة ، والعكس بالنسبة للحالة الذكرية، إذ تكون أعضاؤه الخارجية شبيهة بالأنثى من حيث وجود مهبل، ولكن لا يوجد رحم أو مبيض، ولذلك يصنف على أنه أنثى عند مولده رغم تركيبه الذكري من حيث كروموزومات (XY)، وهذا الشخص عند بلوغه تظهر عليه أعراض رجولة ثانوية كظهور الشعر وخشونة الصوت، ولا يتكون لديه ثديان ولا تأتيه الدورة الشهرية.

الشهر الأول

وشدد على ضرورة تحديد الجنس في فترة عمرية لا تتجاوز الشهر، إذ أن الطفل قد يولد بهيئة أنثى أو ذكر بأعضاء مكتملة أو غير مكتملة، لكن بفحص دقيق من خلال أطباء متمرسين، يكتشف إذا كان ذكراً أو أنثى، ويحتاج إلى فحوص مخبرية وإشعاعية للتأكد من هويه الجنس.

وقال في بعض الحالات يكون تحديد الجنس وفقاً لقدرة الشخص على القيام بمهام الجنس المحدد له، حتى ولو كان مخالفاً للكروموزومات، وإذا كان العضو صغيراً جداً وله شكل أنثوي، فمن الأفضل والأصح أن يكون أنثى، إذ ليس فقط الكروموسومات هي التي تحدد، بل أيضاً الهرمون والجينات والمقدرة الكاملة أن يكون ذكراً.

الإحساس الداخلي بالأنوثة أو الذكورة

وأشار إلى أن النوع الثاني من المرضى، يعانى اضطراباً في الهوية الجنسية، وهو الإحساس الداخلي بالأنوثة أو الذكورة، وتبدأ في التشكل من سن 3 سنوات، وتكتمل عند 8 سنوات، ويميل الطفل الذكر إلى الألعاب العنيفة، والأنثى إلى ألعاب البنات، موضحاً أن اضطراب الهوية الجنسية يكون إحساس الشخص العقلي بالأنوثة أو الذكورة، مخالفاً للجنس العضوي والبيولوجي.

وأكد الجوهري أن اضطراب الهوية الجنسية هو مرض يعني فقدان الشخص لهويته الجنسية، فمثلاً يجد الذكر في مرحلة معينة من عمره، وغالباً تكون عند البلوغ، أنه لا يقبل جنسه وغير قادر على التعايش معه.

وقد يكون هذا الاضطراب نفسياً بحتاً رغم أن تركيبة المريض الجسمانية كاملة الذكورة.

وقد يكون في أحيان أخرى ناتجاً عن تشوهات جنسية، ما يحتاج إلى تدخل جراحي لإجراء تصحيح جنسي.

وشدد الدكتور الجوهري على وجود خلط كبير بين مفهوم اضطراب الهوية الجنسية والشذوذ أو المثلية الجنسية.

فالشذوذ هو الميل لمثير جنسي من الجنس نفسه.

وأشار إلى أن المرحلة الأولى والمهمة في هذا الأمر هي التقييم الطبي بالتشخيص الدقيق، بحيث يجب أن يتم تشخيص الجنس الجيني أو الكروموسومي والجنس الداخلي والجنس الظاهري، سواء كان ذكراً أو أنثى أو خنثى، ثم تشخيص الحالة الهرمونية، فيما يتم استبعاد حالات الشذوذ الجنسي بشكل قطعي.

وقال إن «اضطراب الهويّة الجنسيّة» هو تشخيص يطلقه أطبّاء وعلماء النفس والفيسيولوجيّون على الأشخاص الذين يعانون حالة عدم ارتياح أو القلق حول نوع الجنس الذي ولدوا به، وتتداخل فيه عوامل نفسيّة وبيولوجيّة، كالتركيبة الجينيّة للإنسان أو البنية الدماغيّة المتعلّقة بالتأثيرات الهرمونيّة على الدماغ في فترة تكوين الجنين.

ليس مرضاً

وعلى خلاف الرأي السابق، يقول البروفسور عبد الله المنيزل، أستاذ علم نفس تربوي في جامعة الشارقة، مدير معهد البحوث للعلوم الإنسانية والاجتماعية، إن «اضطراب الهوية الجنسية» ليس مرضاً، بل هو مشكلة اجتماعية وفق تصنيف (DS3)، أي كتاب تشخيص الأمراض الجنسية العالمي، موضحاً أن هناك ما يسمى بالتنميط الجنسي «بمعنى أن يدرك الذكر أنه ذكر، وأن تدرك الأنثى بأنها أنثى، وفي حال العكس، فإن الخلل يكمن في التنشئة الاجتماعية أو لأسباب مجهولة، ولكن ليس وراثياً».

وأضاف أن هذه العلامات تبدأ منذ سن الثالثة، لذا لا بد من الأهل التركيز على خطورة المسألة، مشيراً إلى أنها قد تختفي عند البلوغ، وقد تتطور بصورة ملحوظة تصل إلى الانتحار، لذا لابد من التدخل النفسي. وقال إن التنميط الجنسي شأن مهم وفي غاية الخطورة، حيث إن الخبرات في مرحلة الطفولة الأولى تؤثر بشكل جلي في تكوين شخصية الطفل.

ورفض الدكتور عبد الله المنيزل فكرة أن يتمكن شخص من تمثيل دور «شخص يعاني اضطراب الهوية الجنسية»، إذ إنه يخضع إلى تطبيقات واختبارات عدة، أهمها «مينسوتا» المتعدد الذي يقيس جميع الأمراض النفسية عبر نحو 399 سؤالاً.

مؤيد ومعارض

في المقابل، انقسم الشارع الإماراتي إلى قسمين: الأول تعاطف مع قضية الفتاة الإماراتية التي تعاني اضطراب الهوية الجنسية، مطالبين بضرورة الحكم لمصلحتها، وحل مشكلة أشخاص في الدولة يعانون هذه المصيبة التي حطت على رؤوسهم، فيما استنكر القسم الآخر هذا الأمر، خالطين بينه وبين الشذوذ الجنسي، رافضين قطعياً مجرد الحديث في الأمر، ومكتفين بمناشدة المسؤولين عدم الرضوخ لهذه الفئة التي يرون أنها ستدمر بنية المجتمع، معترفين فقط بأولئك الذين ابتلاهم الله «بازدواجية الأعضاء»، والسماح لهم بتحديد الجنس الأنسب لهم وفق «استعداد الجسم والهرمونات للتغيير».

ومن ذلك يقول علي يوسف (27 عاماً)، «لا أعلم مدى صدق هذه الفتاة، ولكن إذا كانت فعلاً تعاني، فلابد من رفع هذه المعاناة، لأن الانتحار ليس حلاً بل هو كارثة».

ويرى عادل الهولي أن الخوف يكمن في استغلال البعض لهذه الأمر والقيام بتغيير جنسه، إذ إنه ليس من الصعب على الشخص القيام بتمثيل دور الضحية.

واستنكر خليفة بن طارش تحويل الجنس، وقال الواضح تماماً، أن تجرى عملية التحول فقط للأشخاص الذين يعانون وجود «جهازين» تناسليين، فهم من يحق لهم تعديل جنسهم، ولكن لا أعلم من أين جاءت مثل هذه الأمراض النفسية، فكيف تريدون منا أن نقتنع بأنه يحق لشخص كامل الذكورة، أن يطلب تحويل جنسه لمجرد أن عقله يرفض أن يكون رجلاً ؟!

يجوز التحول للمصابين باضطراب الهوية الجنسية

يؤكد الشيخ الدكتور راشد سعد العليمي، الإمام والخطيب بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت، والخبير الأسري، والأستاذ الجامعي، أنه من الخطأ الفادح النظر للمصابين بهذا المرض على أنهم يتشبهون بالجنس الآخر، وأن جزاء ما يقومون به اللعنة والطرد من رحمة الله، وذلك «لأنه لم يسع إلى هذا الأمر بمحض إرادته، ولا بشوق منه، ولكن سبق قدر الله عليه لحكمة منه سبحانه». وقال إنه تجوز عملية التحول الجنسي فقط للمصابين بمرض اضطراب الهوية الجنسية TRANS-SEX ولا يشمل ذلك المتشبهين بالجنس الآخر لأسباب غير سوية وغير مرتبطة بهذا المرض. وقال إن اضطراب الهويّة الجنسيّة، يجعل المصاب به يعتقد أنّه من الجنس المعاكس، يستمرّ هذا المرض لسنوات طوال، وعلى الأغلب العمر كلّه، مع خطورة تطوّره إلى اكتئاب والوصول به إلى الانتحار، مشيراً إلى أنه يبدأ في مرحلة مبكرة قبل البلوغ، إذ لا علاقة له بالرغبات الجنسيّة، ويستمرّ حتّى إجراء الجراحة.

ويشدد العليمي في فتواه على وجوب أن تتم عملية التحول الجنسي وفق نظر أهل الطب، وبعد الفحص الطبي والنفسي، واعتبر معالجة المريض بالتحول إلى الجنس الآخر عبر عملية جنسية، أمراً يقره الشرع لكونه يحمي الإنسان من خطر قتل النفس، وهي النهاية المحتمة للمصابين بهذا المرض، وفق الآراء العلمية.

3 عمليات تحديد جنس لأطفال

أوضح الدكتور أمين الجوهري، أستاذ طب وجراحة الأطفال في مستشفى برجيل أبوظبي أن هناك اعتبارات اجتماعية ونفسية تؤخذ في الاعتبار عند تحديد الجنس.

فالطفل الذي نشأ في مجتمع على أنه ذكر ثم ظهرت عليه العلامات الأنثوية عند البلوغ مثل الحيض، وكبر الثدي نجد أن معظم الآباء والأمهات يرفضون تغيير الجنس إلى أنثى رغم أن هذا هو الجنس الصحيح، وقد نضطر في هذه الحالات أن نزيل الرحم ونعطي المريض هرمونات الذكورة لإنجاح العملية، لافتا أنه تم إجراء 3 عمليات تحديد جنس لأطفال خلال السنتين الماضيتين في المستشفى بتكلفة تقدر بـ 35 ألف درهم للعملية الواحدة، ونجحت العمليات بشكل باهر. وقال إن إجراء مثل هذه الجراحات معقد، وتحتاج إلى جراح متمرس، يمتلك مهارة عالية، ويد فنان يستطيع بحسه الجراحي والفني الوصول إلى شكل يحاكي الشكل الطبيعي ذكرا أم أنثى، مؤكدا في الوقت نفسه أن دولة الإمارات متطورة في هذا النوع من الجراحات ولديها جراحون متميزون على المستوى العالمي.

الاتحاد