سعيد حمدان
البحث العلمي وارتباط الجامعة بالمجتمع ومهارات الطالب الخريج… هي أبرز المخرجات التي يمكن من خلالها الحكم على كفاءة المؤسسة الجامعية أياً كانت ونجاحها. وهذه في الوقت ذاته هي الأدوات التي تمكّنها من تحقيق سمعة جيدة في مستوى التعليم وبناء ثقة عالية في مخرجاتها داخل سوق العمل.
وقبل حوالي أسبوعين من الآن أعلنت جامعة زايد عن طرح برنامج للماجستير في الدراسات الإسلامية، وذكرت أن هناك 150 طالباً وطالبة سجلوا في هذا البرنامج، والذي يقدم قراءات نقدية لأهم المعارف والعلوم الفقهية اليوم، إذ يتحدث عن شؤون الساحة الإسلامية التي نعيشها، وعن القضايا الجديدة المرتبطة بالاقتصاد الإسلامي كإدارة الثروات، والدراسات الوقفية.
وكانت الجامعة قد أعلنت منذ أشهر قريبة عن تخصص جديد لديها يتمثل في الدراسات في مجال المتاحف والآثار. وقبل ذلك كانت قد أتاحت لطالباتها مساقات وفصولاً تدريبية لدراسة السياحة ومهارات العمل في هذا القطاع. فهل هناك إذن شيء مختلف في أن تطرح الجامعة برامج جديدة في الدراسات العليا أو إدخال تخصصات أو مساقات جديدة ضمن كلياتها؟
الإجابة هي: نعم، فهنا نتحدث عن الفكرة الجديدة أو طريقة الطرح والتناول، وواقعية ما يقدم مع الحاضر الذي نعايشه. فهذه تخصصات قد تكون متوافرة لأول مرة في جامعاتنا المحلية. وفي المقابل فإن واحدة من أهم الصناعات والمكاسب التي حققتها الدولة تتمثل في تجارة المصارف الإسلامية، وفي مجال السياحة وبناء المتاحف. وتعد صناعة الثقافة والفنون والفكر هي المشروع الأهم الذي يحتل الأولوية في رؤية الحكومة لتنمية الإنسان وكذلك المكان خلال المرحلة المقبلة.
لكن من سيقود العمل في هذه المنشآت الآن وفي المستقبل، من سيطوّر إنتاجها وبرامجها ويجتهد فيها ويخلص لها، ويحافظ على مكتسباتها ويخاف عليها؟ هذه مشاريع وطنية، كلّفت الدولة موازنات ضخمة واحتاجت إلى سنوات من التخطيط والدراسة والتنفيذ، لكن التحدي الأكبر هو في قيادة وإدارة هذه المشاريع، فوجود العنصر المواطن المتخصص والمؤهل فنياً في مختلف المستويات القيادية والوظيفية هو الإنجاز الأهم وهو النجاح الحقيقي لهذه المؤسسات، وهؤلاء هم ثروة الوطن.
قد يبدو الدور الحيوي والمميز الذي تلعبه جامعة زايد اليوم متمثلاً في صقل مهارات طلابها وطالباتها من خلال التجريب العملي والتدريب الميداني، وكذلك من خلال إعطاء الأولوية لمنهجية البحث العلمي عند أساتذتها وطلابها، وترسيخ قيمة هذا المنهج العلمي في خدمة المجتمع.
مجتمعنا اليوم يتطور ويتوسع وتكثر قضاياه والظواهر التي تبرز في مختلف شؤون حياته، سواء الاقتصادية أو العلمية أو السياسية أو الثقافية أو الاجتماعية… وهذا التطور الذي نعيشه يحتاج إلى منهجية بحث تدرس التحولات وتقيّمها وتقدم تحليلاً علمياً لها يساعد صانع القرار على تحديد التوجهات ورسم الخطوة المقبلة بشكل نموذجي.
ودراسة متطلبات واقع السوق وبحث متغيرات إيقاع الحياة والتطورات التكنولوجية ورصد تطبيق بنود الجودة… هي معايير التحكم والسيطرة والتميز في عالم الأعمال وأداء المؤسسات.
والبحث العلمي هو الذي يثري هذه التجربة ويحفظ لها طابعها التنافسي الخلاق، كما يساعد على تحقيق التطور وتحديد اتجاه المسار الصحيح.
قبل أسابيع التقيت أستاذة جامعية تدرّس في جامعة زايد، جمعني بها زميل زائر يعيش خارج الدولة، قالت إنها تطلب المساعدة، فهي متفرغة خلال هذا الفصل لتنجز بحثاً علمياً يخدم المجتمع، واختارت حسب تخصصها تقديم دراسة عن شعراء الحداثة في الإمارات وترجمة نماذج من قصائدهم إلى الإنجليزية. الصعوبة التي واجهتها وتواجه كل باحث يريد أن يتحدث عن الشأن الثقافي في الدولة هي: أين المرجعية التي يمكن أن يجد عندها ما كتب في هذا المجال ويمكنها أن توفر له قاعدة بيانات محدّثة عن أدباء وشعراء الإمارات؟
الأستاذة تجتهد وتحرص أن تبحث عن جميع الأدباء وتتواصل معهم، وهدفها أكثر من البحث العلمي -كما تقول- وهو أن تقدم شيئاً ولو يسيراً لهذا البلد الذي أحبته بصدق فهي كما تذكر لم تجد منه سوى كل خير، ولأنه أعطاها تحرص أن ترد له الجميل وتبذل من أجله المزيد.
في حديثها أشارت إلى نقطة غيّرت الصورة التي كانت عندي، وأظنها تسكن أذهان الكثيرين، وهي عن واقع الطلبة الجدد، حيث قالت: فوجئت بطالبات الجامعة، إنهن أكثر نشاطاً وجدية واهتماماً ومتابعة، كلما سألتهن عن أديب أو كتاب أو حدث وجدت عندهن معلومة، أو أجدهن يحرصن على البحث عنها، وعندهن استعداد للنقاش والتعلم، وذلك خلافاً لطلبة كثر مروا عليّ في بلدان أخرى عرفتها.
الجامعة تقوم بدورها، لكن الإشكالية الكبرى هي ما إذا كان المجتمع سيستفيد من هذا الدور؟ وهل تقوم المؤسسات المعنية بدورها في تبني ورعاية الأعمال التي تنجزها الجامعة وتأخذ بتوصياتها؟ وهل تطلع بواجبها في دعم الجهد الجامعي في هذا الجانب؟
– عن الاتحاد