ناصر الظاهري
يحتفل العالم كل عام باليوم العالمي لحماية اللغة الأم، وهو نتاج جهود منظمة اليونسكو، بالتعاون مع الجهات المسؤولة عن الثقافة والتراث والتعليم والفلكلور الشعبي في دول العالم، في محاولة حمايتها من الاندثار أو المحو أو الذوبان في لغات أكثر قوة وهيمنة واستعمالاً، وفي ظل عولمة قادمة يمكن أن تصهر الشعوب ولغاتهم وثقافاتهم في مفهوم ثقافة كبيرة متعددة وقاسية•
اللغة هي الهوية الحقيقية للإنسان، وهي التي تعطي له الخصوصية والذاكرة والثقافة في مفهومها الحضاري، واليوم هناك 6000 لغة مهددة بالزوال، خاصة لغات الأقليات، نتيجة ما يواجهونه من مصاعب شتى في الحياة، وما لاقوه من اضطهاد عرقي، وتفرقة عنصرية وإبادات جماعية، كانت لغاتهم الأم هي أول هذه الضحايا• لذلك كان مشروع اليونسكو العالمي باصدار أطلس اللغات المهددة بالاختفاء أو المندثرة، من أجل إحيائها وتدوينها وتوثيق كل ما يتعلق بها، خاصة التراث الشفاهي، بتطوير اللغات المتعددة ضمن برنامج التعليم والثقافة لحماية تراثها غير الملموس، وسيكون التركيز على معارض الأطفال، وزرع المهارات الكتابية فيهم وبالأخص في صفوف المراحل التعليمية الأولى، وقد أسفرت دراسات وأبحاث اليونسكو طوال سنين مضت عن ضرورة المحافظة على بعض اللغات المهددة في العالم، وقد نجحت مساعيها في استراليا وتايلند وسيبيريا وأفريقيا والهند وتيمور وأميركا اللاتينية، لأن ما نسبته 95% من لغات العالم المهددة، لا يتكلمها إلا 4 % من السكان، بحيث بلغ الأمر أن تموت لغتان كل شهر من هذه اللغات•
وفي أفريقيا وحدها هناك 2011 لغة محكية إلى جانب لغات المستعمر السابق، مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والبرتغالية، تسيطر على لغات التعليم فيها، وهو الأمر عينه ينطبق على دول أميركا اللاتينية، وفي الهند وحدها هناك 80 لغة فقط من بين لغاتها الـ 200 تستعمل في التعليم، أما دول الاتحاد الأوروبي فينحصر التعليم فيها بلغات دول الاتحاد الرسمية والمعترف بها.
لذا جاءت مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي في دعم وتثبيت مكانة اللغة العربية في الإمارات بعد ما رأى من أخطار كثيرة تهددها، وبالتالي تهدد الهوية العربية للإمارات، وبعث أمل وآفق جديد للعربية نظراً لمكانتها وقدسيتها عندنا بتخطيها الحواجز الإلكترونية وتطويعها لخدمتها، وخدمة حروفها التي بدأت دول إسلامية عديدة تنسلخ من كتابة حروف لغاتها بالحروف العربية واستبدالها بحروف أجنبية كما يجري في تركيا وأندونيسيا وماليزيا والهند وباكستان التي تعد ركائز أساسية في الحضارة الإسلامية وثقلها السكاني الكبير، وتأثيراتها في الثقافة الإنسانية.. وغداً نكمل.
– عن الاتحاد