السعد المنهالي
سيرتي.. الوجه الآخر. هذا عنوان ورقة العمل التي شاركت بها في ملتقى الفجيرة الإعلامي الذي جاء في نسخته الخامسة بعنوان «المرأة والإعلام.. الصورة الأخرى»، وكان المحور المحدد للجلسة (تجارب من الميدان)، وبناء على ذلك فمن المفترض أن أقدم تجربتي الإعلامية حتى وصولي رئيس تحرير مجلة «ناشيونال جيوغرافيك العربية».
يستحق الأمر التوقف برهة قبل المضي في الحديث عن تجربتك.. خصوصاً إنْ أردت الإشارة إلى الوجه الآخر؛ فعادة ما نحكي عن تجاربنا في الحياة بذكر مناصبنا التي تقلدناها في سيرة حياتنا، إنجازاتنا من كتب أو جوائز أو تكريم حصلنا عليها. هكذا اعتدنا أن نعرف بأنفسنا، نضع تقدمنا وإنجازاتنا في سيرنا الذاتية، ولكن هل هذا فقط هو ما يجب ذكره فيها؟ هل هذا ما علينا ذكره للآخرين ممن يريدون أن يستلهموا من تجاربنا طريقاً لهم؟!
خلال أسئلة الجمهور وتعليقاتهم، وقبل أن أقدم ورقتي، طرح أحد الإخوة من الإعلاميين العرب من ضيوف المؤتمر تعليقاً يقول فيه باختصار: «الحقوق تنتزع انتزاعاً، وهذا لم يحدث في الإمارات، فكل المناصب والمهام الإعلامية الكبرى التي وصلت لها المرأة الإماراتية إنما أعطيت لها منحة، ولم تبذل شيئاً يذكر لتكون مستحقة لما تقلدته»! كان رأيه محزناً ويبدو أن هناك كثيراً غيره يحملون هذا الانطباع لأنهم لم يروا في سيرنا الذاتية إلا ذاك الوجه المتوافر أمامهم، الصورة الأخيرة، صورة الإعلامية على عمودها اليومي أو الأسبوعي، أو صورتها وهي تدير جلسة، أو وهي تقدم ورقة عمل في مؤتمر.. هذه الصور وغيرها مما اعتيد رؤيته. ولكن هل هذا كل شيء؟
هذه النتيجة النهائية أو الصورة الأخيرة ما هي إلا وجه واحد وجزئي لصورة أكبر وأكثر حقيقة مما يراها الناس. أعتقد أن الوجه الآخر للسيرة الذاتية هو ما علينا أن نسلط الضوء عليه لنحكي شيئاً يستحق أن يسمعه الآخرون، نحكي عن المعوقات والسقطات والخيبات والنكبات وساعات الحزن والصمت والبكاء التي مررنا بها حتى نصل إلى ذاك المنجز الذي نسجله في سيرنا الذاتية. نحكي عن الخلطة من التحديات والمعوقات والفرص والظروف التي أوصلتنا لما نحن عليه اليوم. في ورقتي أشرت إلى سيرتي الذاتية من جانب آخر، لا نذكره، رغم أنه الجانب الذي صنع كل شيء.
أخبرت الحضور وطلبة الإعلام عبر نقاط تشبه السيرة الذاتية عن ما واجهته خلال 16 عاماً من العمل، أخبرتهم عما قاله لي رئيس قسمي بأن عليّ أن أبحث عن عمل آخر غير الكتابة، وعندما تم حجب عمود لي دون ذكر سبب، وعندما ألغيت صفحة تقارير التي كنت أشرف عليها وتركت من دون أي عمل لمدة شهر، وعن عشرات التقارير التي لم تنشر لأسباب عدة، والقائمة تطول بالسقطات والخيبات. أخبرتهم عن الصورة الأخرى التي لم يعرفونها، عن ساعات العمل الطويلة حتى منتصف الليل، وعن الإجازات والأعياد التي لم أقضها مع أهلي لأني آمنت أن لدي رسالة. أخبرتهم أن كل ذلك يجب أن يكون.. لأكون.
إنها سيرتي التي أفتخر بها، ونقاط النور في حياتي، فما من خيبة إلا وتبعتها إرادة وتصميم ونجاح، ومن ثم إنجاز. منحنا في الإمارات فرصاً وتشريعات ساعدت في تمكيننا كنساء، ولكنها لم نمنح هذه المناصب إلا لأننا استحققناها عن جدارة.
– الاتحاد