د. فاطمة الصايغ
هناك مثل محلي يقول «من شب على شيء شاب عليه»، أي من تعود على شيء منذ طفولته صعب عليه التغيير في كبره.
هذا المثل ينطبق على فئة من الشباب الذي نشأ وترعرع في فترة الطفرة ولم يعرف من الحاجة والعوز ما عرفته الأجيال التي سبقته، جيل تربى في كنف والدين لم يقصرا في شيء في سبيل توفير كل سبل الراحة والرفاهية له ولكنهما قد يكونان قد قصرا في بث قيم المسؤولية المجتمعية في نفسه. هذا الجيل شب وهو هش العظام، متعود على الاتكال على غيره في تلبية كافة طلباته، متبنى لسلوكيات كثيرة مرفوضة.
أنه جيل الطفرة، جيلا يبدو عصى على التغيير، ليس تغير هاتفه وسيارته، فهو يغيرهما بين الفترة والأخرى، ولكن التغيير الإيجابي وتبنى قيم جديدة مناسبة لحال مجتمعنا الحيوي الديناميكي. فظهر جيل وكأنه استبدل جلده بجلد غيره، جيل متبنى لسلوكيات معينة سلبية. لقد أدمن هذا الجيل على عادات معينة وشب وهو يمارسها دون أدنى تفكير في تركها، وهذا مبعث الخوف والقلق.
لقد انتشرت في مجتمعنا بعض السلوكيات الشبابية المنفرة والتي يمارسها الشباب من الجنسين جهاراً دون التفكير في عواقبها ودون التفكير في أنها سوف تخلق في النهاية جيلاً فاقداً لهويته، اتكالياً حتى النخاع، لا يعرف من هموم مجتمعه المحلي إلا الهموم السطحية. فئة من الشباب شبت على هذه النشأة وتشربت بهذه القيم الغريبة حتى لم نعد نعرفها ولم تعد هي تعرفنا على الرغم من أنها جزء مهم من نسيجنا الاجتماعي المحلي والجزء الذي نعول عليه ليحمل أمانة تقدم الوطن ورفعته.
هذا الأمر يجعلنا نقلق ليس فقط على مستقبل هذه الفئة من الشباب ولكن على مستقبل هذا المجتمع بأسره خاصة وأننا مجتمع يعاني أصلاً من عدة تحديات مجتمعية على رأسها الهوية الوطنية والتركيبة السكانية. هذه السلوكيات تتجلى في أمور قد تبدو بسيطة ولكنها قد تصبح مقلقة لأمننا المجتمعي وهوية مجتمعنا وتماسكه.
بعض شبابنا يتجاهلون حملات التوعية المرورية التي وضعت من أجلهم ولحمايتهم فيتخذون من الطرقات مضمارا يمارسون فيها هوايتهم من سرعة قاتلة واختراق لقواعد السير والمرور فتكون النتائج كارثية عليهم وعلى المجتمع بأسره.
بعض شبابنا يتجاهلون قيم المجتمع المنبثقة من تعاليم الإسلام السمحاء وقيم التكافل والسلام فيلجأون إلى العنف والجريمة لحل خلافات شبابية عابرة. فتكون النتيجة ضحايا شباب لجريمة مروعة تقلق المجتمع وتزعزع السلم والأمن المجتمعي وتزرع بذرة أخلاقية كريهة تكون بداية للتطرف والعنف.
بعض شبابنا أدمنوا لقاءات المراكز التجارية التي أصبحت تحتل المكان الأول للقاء عوضاً عن المنزل بكل ما يرتبط بهذه العادة من إفرازات سلبية. فنرى طوابير المراهقات المتبرجات وهن يتبخترن في المراكز التجارية دون رقابة من أهل أو ضمير فيكون هذا الموقف بداية لسلوكيات خارجة عن أطار العادات والتقاليد وبداية لظهور ظواهر اجتماعية أخرى مرتبطة بها. وبعض شبابنا يفترشون المقاهي التي أصبحت أماكن جاذبة لهؤلاء الشباب أكثر من المكتبات أو المحاضرات العامة أو الأمسيات الثقافية.
فتصبح هذه العادة الترفيهية عبئاً مالياً على الشاب عوضاً عن أن تجلب له السعادة والترفيه. وبعض شبابنا تعود على الاتكالية وعلى مطالبة أولياء الأمور على استيفاء حاجاتهم الكمالية حتى أرهقوا أولياء الأمور بمطالب لا نهاية لها. والأدهى من ذلك هو موقف أولياء الأمور والذين عوضا عن إسداء النصح لهؤلاء الشباب يعملون جهدهم لتوفير تلك الاحتياجات ممهدين الطريق لقائمة أخرى من الكماليات التي لا تنتهى.
فتكون النتيجة مجتمعاً غارقاً في الديون. وبعض شبابنا أصبحوا ينظرون إلى وسائل التواصل الاجتماعي التقليدية على أنها شيء من الماضي خصوصاً حين حلت وسائل التواصل الحديثة محل القديمة، فانقطع ذلك التواصل الجميل بين الأجيال.
فلم يعودوا يحرصون على زيارة أرحامهم أو حتى السؤال عنهم. فتغيرت قيم المجتمع الأصيلة المبنية على التواصل والتراحم وحلت بدلها قيم أخرى مستوردة وهو الأمر الذي يدفع بمجتمعنا بأسره إلى طريق آخر قد لا نعرف اتجاه بوصلته.
وبعض شبابنا، من كلا الجنسين، تخلوا عن السلوكيات المحلية الإيجابية بما فيها الزي المحلي لصالح الزي الغربي الذي يرون أنه أكثر راحة وجاذبية من المحلي كما أنه مواكب للموضة العصرية فتغيرت هوية المجتمع فأصبحنا لا نفرق بين هوية وأخرى وبين ثقافة وأخرى.
وبعض شبابنا تخلوا عن اللغة العربية وعادات التعارف الاجتماعية المرتبطة بها لصالح لغة هجينة وعادات اجتماعية مستوردة ومهجنة اخترعوها هم وأدمنوا استخدامها. فأصبحت اللغة العربية غريبة بينهم وأصبحت العادات الاجتماعية المحلية على أنها أمور بالية مرتبطة بالتخلف والـتأخر.
وبعض شبابنا أصبح، عوضا عن التطلع للعلا والتطلع للأعلى، ومحاولته الوصول للقمة من غير جهد يذكر أو مجهود يبذل. فيلجأ إلى وسائل تسلق غير أخلافية للوصول إلى تلك القمة دون إدراك بأن تلك الوسائل سوف تخلف وراءها الآثار السلبية الكثيرة. فتظهر ظواهر كالفساد والرشوة والمحسوبية وغيرها من الظواهر المجتمعية السلبية التي تهدد أمن وسلامة المجتمع بأسره.
هذه بعض السلوكيات الشبابية والتي على الرغم من أنها مقصورة على فئة صغيرة إلا أن في إمكانها أن تتحول، مع التقليد الأعمى الرائج بين الشباب، إلى ظواهر مقلقة تهدد أمن وسلامة المجتمع بأسره.
لذا يبقى على مؤسسات المجتمع جميعها من أسرة ومؤسسات تعليمية وأعلام وخطاب ديني دور مهم للتنبيه لخطر تلك السلوكيات وتحذير الشباب منها وتوعيتهم لمسؤولياتهم القادمة وضرورة الالتفات لها. فمن شب على شيء شاب عليه.
– عن البيان