د. فاطمة الصايغ

كنت أشاهد على إحدى الفضائيات العربية حواراً مع من وصف نفسه “بالمحلل السياسي”. كان مجمل حديثه يدور حول الدور العربي الجديد ودخول مجموعة من الدول العربية الجديدة كلاعب رئيس على الساحة الإقليمية والعربية. وإذا به يتطرق إلى وصف الأعراب في إشارة وتلميح إلى دول الخليج والتي بدأت تلعب دوراً مهماً على الساحتين العربية والعالمية.

كان الهجوم كبيراً والألفاظ المستخدمة تكاد تخلو من أي لباقة أو حسن انتقاء للعبارات والألفاظ. كان كل ما يود هذا “المحلل” إظهاره هو استخفافه بدور “الأعراب الجديد” وبثقافتهم البترولية وكأنه لا شيء هناك يملكونه سوى النفط الذي جاءهم فجأة وجعل منهم محدثي نعمة.

هذه الثقافة السائدة عند البعض، للأسف، تدعو إلى التفكير وتحليل تلك النظرة التي يحملها البعض تجاه دول الخليج وتلك الثقافة العدوانية غير الحيادية التي تكاد تكسي كلامهم وتلميحاتهم وتكاد تغطي ثقافتهم.

إذا ما كان هناك أصلاً ثقافة واطلاع ومعرفة بالوقائع التاريخية والحضارية لدول الخليج. فكل ما تفعله دول الخليج هو بالنسبة للبعض هبة النفط وكل تطور هو نتاج البترول. ولهذا أصبح كل ما تقوم به دول الخليج في المجال الإنساني أو الاجتماعي هو تفضلاً أو انتظاراً للمدح أو رغبة في البروز السياسي.

تعليق هذا “المحلل” دفعني إلى التفكير جلياً في مجمل ما تقوم به دول الخليج وتلك النظرة التي تكسي تصرفات البعض أحياناً. كذلك دفعني هذا التحليل إلى القول إنه إذا استطاع الأعراب، على حد وصفه، بناء دول منظمة وتحقيق الرفاهية ليس فقط لأبناء شعوبهم وإنما لملايين الناس الذين جاؤوا من كل حدب وصوب ليقطنوا في بلدان الخليج، فإن صفة أعرابي قد أخذت بعداً جديداً وربما بعداً إنسانياً واجتماعياً قد لا يدركه ذلك المحلل.

صفة أعرابي التي كانت تستخدم قبل قرون أطلقت على الشخص الأمي الذي لا يعرف كيف يتعامل مع الحداثة فكان لفظ “أعرابي في المدينة” يستخدم لوصف الشخص الذي لا يعرف كيف يتعامل مع متطلبات الحداثة العصرية ولا يعرف أساليب التصرف وطرقه.

ولا يدرك المتغيرات العصرية وتأثيرها على بيئته وجواره. كما أنه لفظ كان يلصق لمن عاش في الصحراء وترعرع فيها وأثرت ثقافة الصحراء بكل قيمها السلبية عليه وتأثر بها. فكما للصحراء قيم إيجابية مثل الكرم وحسن استقبال الضيف والشهامة والمروءة .

فإن لها أيضاً قيم سلبية مثل الغارات المتكررة ومبدأ “انصر أخاك ظالماً أم مظلوماً” وغيرها من تقاليد الصحراء التي حاربها الإسلام عندما جاء واستبدلها بقيم إسلامية حضارية. ولا ننكر أبداً أن الثقافة البدوية أو ثقافة الصحراء قد رمت بظلالها على الثقافة المعاصرة لأهل الخليج.

فأهل الخليج يتميزون بالكرم وحسن الضيافة وهي صفات ليس لها دخل بالبترول أو بالثراء. فأهل الخليج تميزوا بهذه الصفات لقرون قبل أن يكتشف البترول أو المعادن الأخرى في أراضيهم، كما تميز أهل الخليج بالتكاتف والتماسك الاجتماعي منذ القدم وهي قيم ورثوها من ثقافة الصحراء وظلت إلى اليوم عنصراً مهماً ومتميزاً في ثقافتهم.

والمهم في هذا كله أن النظم السياسية في الخليج هي جزء من نظم الخليج ككل وبالتالي فإن سياسات دول الخليج المعاصرة ليست سياسات مستوردة أو ادعاء وإنما هي جزء أصيل من تلك النظم والقيم التي تحكم حياة الخليجيين. فعندما تعمل دول الخليج إلى مساعدة الغير فإنها تفعل ذلك بدواع إنسانية وحضارية وليست بدوافع أخرى أو رغبة في الامتنان أو انتظاراً للشكر.

مجال آخر كثيراً ما يثير التساؤلات بالنسبة لبعض الأخوة العرب وهي سياسة دول الخليج في تكريم المبدعين العرب عن طريق منحهم الجوائز العلمية أو البحثية أو في ميادين العمل الخيرى. هذا التقليد الراقي هو تقليد اتبعته معظم دول الخليج النفطية ليس مشاركة في رد الجميل لذلك المبدع وإنصافاً له .

ولكن الرغبة في العطاء غير المحدود، وهي صفة اكتسبها أهل الخليج من ثقافتهم البدوية. والمهم في تلك الجوائز أنها لا تخضع لأي ضغوط من أي نوع، حيث إنه تحكمها لوائح وشروط وتغلب عليها الحيادية المطلقة. ولكن البعض ينظر لها على أنه “منة ” من دول الخليج النفطية إلى أولئك المبدعين وتفضلاً عليهم.

هذه الثقافة أو لنقل النظرة غير المنصفة أو حتى “العدوانية” هي نظرة غير حيادية ولكنها موجودة عند البعض وتحتاج إلى تغيير سريع خاصة في ظل استغلال البعض لوسائل الإعلام لإبراز وجهة نظرهم وتمريرها لإيجاد قاعدة جماهيرية تؤمن بنظرياتهم وترهاتهم. إعلامنا المحايد يجب أن يلعب دوراً أكبر في سبيل إبراز وجهة النظر المحايدة والإيجابية لدول الخليج.

من ناحيتهم يجب أن يلعب مثقفي الخليج دوراً أكبر لإبراز وجه الثقافة الخليجية المعاصرة القائمة على الكرم والعطاء والتماسك الاجتماعي واحترام ثقافات الآخرين وعدم التفريط في المنجز المحلي أو العربي. هذه الوسائل جميعها يمكن أن تلعب دوراً مؤثراً في تغير تلك النظرة الدونية التي يحملها البعض تجاه ثقافة أهل الخليج.

– البيان