ها هي أخيراً تدخل قفص الزوجية بعد سنوات عجاف، لدرجة أنها لا تصدق نفسها، فقد أوشك قطار الزواج أن يفوتها، تكاد تطير فرحاً، تضحك تارة وتجهش بالبكاء تارة أخرى كالمجنونة، تكفكف دموعها فهي تعرف أنها دموع الفرح، تنظر إلى أمها، وعيناها مغرورقتان بالدموع، لكنها سعيدة، لطالما رفعت يديها إلى السماء متضرعة إلى الله، تنظر إلى صديقاتها، وتشعر بسعادتهن وحقدهن وحسدهن وغبطتهن.. تنظر إلى عريسها فترى عينيه تلمعان، لم تتعرف عليه بعد، لكنها تعرف أن العمر أمامهما طويل وستجد الطريق إلى قلبه وعقله، انتظرت طويلاً أن يأتي فارس الأحلام على صهوة جواده الأبيض، وها هو يأتي سيراً على الأقدام، لكن ذلك لا يهم، المهم أنه جاء أخيراً، لا يهم إن كان متوسط التعليم وليس مهماً أنه يقترب من الخمسين، بل وليس مهما إن لم يكن صاحب منصب كبير، وليس ثرياً ولا صاحب نفوذ، فالحياة مشاركة وهي تعمل ولا تحتاج إلى أمواله، المهم أن يكون زوجاً حنوناً يقدر الحياة الزوجية، وأن يكون أباً صالحاً، تذكرت تلك المواصفات والشروط الواجب توافرها في زوج المستقبل، تبتسم لأن كل ذلك كان مجرد أوهام وأحلام، فالواقع مختلف تماماً وليس هناك زوج بتلك المواصفات، بل نادراً ما يوجد زوج مثالي، لقد تداعت تلك الصورة المثالية، وكان لابد من التخلي عن كثير من تلك الشروط والمواصفات..

تبتسم لأن كل ذلك مجرد أحلام طفولية، وها هي تعيش الواقع الآن، عليها أن تكون واقعية، وأن تتخلى عن الأحلام، بل إنه يمكنها أن تحقق أحلامها بما يتوافر أمامها..

تطرد تلك الأفكار من رأسها، تحاول أن تكون حاضرة في حفل زفافها، ترسم ابتسامة مصطنعة على وجهها، تنظر إلى آخر صديقاتها العازبات، تحرك شفتيها حمداً لله، تصدر عنها تنهيدة مكبوتة، تشعر بالحرية والانعتاق وبأنها تنتقل إلى عالم جديد، وبأنها تغادر عالم غير المتزوجات، عالم به كثير من القيود المجتمعية المصطنعة على الرغم مما قد يبدو عليه من أنه عالم خيالي مفعم بالحرية الشخصية وعدم وجود التزامات أو مسؤوليات أو قيود..

مرة أخرى تحاول أن تبعد تلك الأفكار من رأسها، تعود إلى الحفل، تحاول أن تستمتع بما فيه، توزع ابتساماتها على المدعوات..

في صباح اليوم التالي، تفيق، تشعر بأنها نشيطة منتعشة، وثمة شعور بالسعادة يغمرها، تنظر حولها، لا تزال في غرفتها المعتادة، في منزل والدها، ترى ما الذي حدث، في تلك اللحظة تفيق، توقن أن كل ذلك كان مجرد أضغاث أحلام..!

– عن الاتحاد