ميرة القاسم
أتوقع أن تستمر اختلافات الرأي بين كل شرائح المجتمع المصري فترات طويلة مقبلة إلى أن تتم ترسية قواعد الديمقراطية الجديدة المنتظرة، حسب اعتقاد الكثيرين، حتى بعد تعيين الرئيس الجديد الذي سيُقسم على احترام الدستور الجديد الذي لم يوضع بعد، كما يقول إخوتنا المصريون، وكل ما يحدث في مصر الآن طبيعي، ويعتبر إفرازات للتغيير الجذري الذي تم بين يوم وليلة لانتزاع الحكم المسيطر عليه منذ ثلاثة عقود مشابهة لسابقتها التي سيطر العسكر عليها بعد سقوط النظام الملكي.
في سورية نظام الدكتاتورية الذي سعى الشعب إلى تغييره تحول إلى نظام نازي وحشي يقتل بقسوة من دون إدراك للمنزلق الخطر الذي تمر به الدولة، وباعتقاد القيادة السورية أنها تُحسن التعامل مع الأزمة التي تحتاج إلى 22 مليون رصاصة، يصعب توفيرها للسيطرة على كامل الشعب وتصفيته، ليبقى الأسد في عرينه الهش الذي بدأ الثوار في هزه بقوة، وبهذا حقق النظام السوري مصالح أعدائه من خلال إضعاف سورية، وتقطيع أوصالها، ولعل هذا أحد أسباب عدم التدخل الدولي حتى الآن.
في اليمن ابتعد علي عبدالله صالح عن الحكم وعن أضواء فلاشات الإعلام في الفترة الأخيرة، وتفرغ لعلاج حروقه المؤلمة، وتوجهت الأنظار نحو «القاعدة» التي يطاردها الأمن من مدينة إلى أخرى، في محاولات فاشلة لتأسيس إمارة إسلامية بمواصفات خاصة داخل البلد الإسلامي.
في العراق أطراف عدة تطارد المالكي لإبعاده عن تسليم الدولة والشعب لعدوهم القديم إيران، انتقاماً من تهميشه معظم الكتل السياسية، وانفراده بالقرار، وتجاهله قوة العراق سياسياً واقتصادياً.
في ليبيا اعتذر رئيس المفوضية العليا للانتخابات الليبية عن إجراء الانتخابات في موعدها، لأن البلد لم يشهد انتخابات منذ نصف قرن، بينما تفرغت القبائل للاقتتال إلى أن تُجرى الانتخابات، والجميل أن الحكومة الليبية المؤقتة ناشدت جميع الأطراف فتح ممرات آمنة لنقل القتلى والجرحى من الطرفين، كون الرئيس المؤقت منشغلاً بالحوارات مع القنوات الإعلامية الشهيرة!
كل ما سبق يحدث في الدول العربية خلال «الربيع العربي» الذي انشغلنا خلاله بتغيير الحكام، ونسينا تغيير الأنظمة التي تُمكن الحكام الجدد من التمسك بكراسي سابقيهم، مثلما يفعل الكثيرون الآن.
لكن نسينا على ما يبدو أن الأنظمة لا تختزل رموزها، وأنها أعمق بكثير من رؤوسها، وسيبقى الربيع خلف صدام الدولة العميقة والتغيير نحو مستقبل جديد، أما دول الربيع فتحتاج إلى مصالحة وطنية حتى يبدأ المستقبل.
– عن الامارات اليوم